يوسف بن محمد العتيق
لا يختلف اثنان أن الشهرة سياج اجتماعي يخدم صاحبه، وعند المثقفين والباحثين المثقف المشهور تنتشر فكرته أكثر من المثقف المغمور.
لذا يسعى البحث عن الشهرة ليستفيد من مزاياها، وينهل من معينها الاجتماعي والمادي.
ولا يلام بعض من يطلب الشهرة، فهو يراها جزءا لا يتجزأ من وسائل إيصال هدفه. فالمثقف كلما اشتهر وصلت فكرته بشكل أسرع ولجمهور أكبر وأكثر.
ومنذ القدم، وهذا الموضوع شغل الناس الشاغل، وأتذكر أنني قلت في هذه الصفحة: (ألف أحمد بن علي بن ثابت الشهير بالخطيب البغدادي (ت 463هـ) موسوعاته الأشهر في البلدانيات (تاريخ بغداد)، وهذا الكتاب يتحدث عن كل من عاش أو سكن أو مر بمدينة بغداد منذ نشأتها وحتى عصر الخطيب البغدادي القرن الخامس الهجري.
وكتاب الخطيب ليس خاصاً بفئة دون أخرى، بل يذكر كل من ورد بغداد ممن لهم حضور ومعرفة (شهرة) سواء كانوا من العلماء أو الخلفاء أو الوجهاء والأعيان بل وحتى المنحرفين عن جادة الصواب والكذابين وملفقي الروايات والأخبار....إلخ.
وفي فترة وجيزة وقياسية أصبح هذا الكتاب مصدراً مهماً في التراجم وباباً اشتهر من خلاله فئة من الناس، لكن الخطيب البغدادي - رحمه الله تعالى - (بقصد أو دون قصد، الله أعلم) لم يذكر أحد مؤلفي الكتب في عصره وهو الفقيه الحنبلي وهو أبو علي ابن البنا المتوفى سنة (471 هـ) وهو ممن تنطبق عليه شروط الخطيب (!) فقال ابن البنا هذا جملة أصبحت مثلاً فيما بعد، هذه الكلمة هي (ليت الخطيب ذكرني ولو في الكذابين) يقصد ليت الخطيب تحدث عني في كتابه ولو قال إنني كذاب وغير ثقة، المهم يذكرني).
وحتى يومنا هذا ومجانين الشهرة حاضرون، بل وفي ازدياد، والكثير يرى أن في الشهرة مصدرا للثراء السريع من خلال كثرة الجمهور.
وهذا مفهوم، ولن تستطيع أن تقف في وجه كثير من طالب الشهرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو غيرها.
وهنا لابد من التأكيد على أن هناك أناساً يجب أن يشتهروا، ويعرفهم القاضي والداني لأن لديهم طرحا مختلفا ومفيدا.
لكن ألا ترون أننا ساعدنا بعض من لا يحمل رسالة ولا هما ولا فكرة في أن يكون مشهورا، وبالتالي نحن المجتمع من يساعد بعض من لا يستحق في أن يكون مشهورا ويصل إلى درجة لا يستحقها.
مجرد خواطر وتساؤلات، مع التذكير بأن الخطاب الشرعي يحذر من البحث عن الشهرة والأضواء لأن بعض من يشتهر قد يتغير موقفه فبدل أن يوجه الجموع تصبح الجموع من يوجهه، وهذه إشكالية أخرى عند بعض من تتغير مواقفه وآراءه بعد أن يصبح مشهورا، فيقدم التنازلات لأجل الحفاظ على جمهوره.