عبده الأسمري
غاص في أعماق اللغة فاصطاد معادن «الأدب».. ناضل حاملاً لواء «النقد» فانتصر لذاته المتيمة بالبحث.. أجاد العزف على أوتار «الثبات»؛ فأقنع «رفاق الحرف» و«أصدقاء المعرفة»، وأوجع «أعداء الاختلاف» و«أنداد الجدال».
عاش منكبًّا على كتبه متوثبًا لتجاوز الجمود «السائد» والتجمد «المتسيد»؛ فنال «سبق» النداء و«عبق» البطولة في مسارح النقاش ومنصات الحوار.
إنه الأديب والأكاديمي البروفيسور مرزوق بن تنباك أحد أبرز رواد الأدب وأقطاب اللغة العربية في السعودية والخليج.
بوجه حنطي، تكسوه علامات المشيب، مع قامة تعتمر الرداء الأبيض والغترة المصفوفة بشكل أنيق وثابت، ونظارة لا تفارق طلته، وكاريزما تتوارد منها اعتبارات الإثبات وإثباتات الاعتبار، مع صوت جهوري موسم باللغة العربية الفصحى في مفردات دقيقة وعميقة واستعارات مكنية وتصريحية، تملأ حديثًا مشبعًا بالأدب، متسعًا للإنصات، موشحًا بنصوص الشعر واستدلالات النقد ودلالات النظرية ومدلولات الخطاب.. ملأ ابن تنباك مكانه أدبًا، وأشبع مجاله بحثًا عقودًا طويلة، قطف فيها ثمار النجاح، وجنى منها حصاد «المعرفة» في مسيرة تنتظر البحث، وتستدعي التحليل كشخصية صنعت «الفارق»، ورسمت «الفرق» واضعًا اسمه في سجلات «قامات الأدب واللغة والعربية»، ووجه من وجوه البحوث المعرفية.
نشأ ابن تنباك في المدينة المنورة طفلاً منجذبًا إلى نداءات الفلاح متشربًا من ينابيع «الطهر» المديني مترفًا بروحانية المكان مشبعًا بسكينة الأرض.. فركض طفلاً بين آبار علي وبدر والمسروح وساحات المسجد النبوي مراقبًا جحافل العلماء وفطاحلة المعرفة وهم يتدارسون «أمهات الكتب»، ويتباحثون في «مجلدات الشرع» في جنبات طيبة الطيبة؛ فامتلأ وجدانه بالكفاح صغيرًا مرتقبًا «مجاميع الأسرة»؛ ليشدو بينهم بمهاراته، ويسود فيهم بمواهبه.. وقد نهل من معين والدَين كريمَين، وتقارب مع نصائح أبوة علمته ماهية «التعلم والتفوق» سرًّا وعلانية، وحنان أمومة أشبعته بمكملات العاطفة والرحمة، فاكتظت ذاكرته بحقائق «التربية» ووقائع «الدافعية».
كان ابن تنباك ورفاقه يترنمون بقصيدة طلع البدر علينا، وبأهازيج مدينية، كانت موشحات اليوم الدراسي منذ الصباح الباكر وسط رفاق درب كانوا شركاء «جيرة» ورفقاء «مسيرة»..
انجذب ابن تنباك إلى أحاديث كانت تستعمر قلبه عن قصص التاريخ في يثرب ومحافل البطولة في بدر وأحد وثنايا الجود في قلوب الطيبين من سكان المدينة المباركة، وبات يبحث عن إجابات لعشرات الأسئلة التي غمرت عقله؛ فوجد ضالته بين الكتب ووسط المكتبات باحثًا عن أسرارها عازمًا على إعلانها فرضية درب، وضرورة حياة، وسلوك عيش؛ فتشكلت ذهنيته الباحثة عن العبقرية، الجائلة في مسارب النقاش، المتوغلة في مشارب البحث.
درس ابن تنباك الابتدائية في مدرسة ذي الحليفة «أبار علي»، والمتوسطة والثانوية بالمدينة المنورة، ونال البكالوريوس من كلية الآداب بجامعة الرياض، ثم عُيّن معيدًا في الجامعة، ونال الدكتوراه من جامعة ادنبره ببريطانيا، ثم عاد إلى جامعة الملك سعود، وعُين أستاذًا مساعدًا فيها، وترقى إلى درجة أستاذ مشارك، ثم حصل على الأستاذية بدرجة «بروفيسور» في الأدب منذ أعوام عدة.
سيرة مضيئة لابن تنباك في المجال الأكاديمي والبحثي مع عشرات العضويات في جمعيات بالداخل والخارج واللجان الأكاديمية والتخطيطية في الجامعات والجهات المختلفة، إضافة إلى مؤلفات متعددة في الثقافة والأدب واللغة والشعر والمعارف المختلفة، وشارك في عشرات المؤتمرات الداخلية والخارجية، ونُشرت له بحوث عدة في مجلات علمية متخصصة، إضافة إلى كتاباته بالصحف السعودية في مقالات متنوعة عدة.
واجه ابن تنباك مخالفيه بالنقاش الهادئ، وأورد في مناسبات عدة رأيه حيال عشرات القضايا الوطنية.. وامتطى ابن تنباك صهوة النقاش، واستل حتمية «الجدية» إمعانًا في رسم «خارطة» فكر متجدد، يعترف بالاختلاف، ويمقت «الخلاف» وصولاً إلى «الإنصاف» في دائرة تجمع الآراء في حظوظ متساوية بعيدًا عن غلبة «الذات» وتغلب «الأنا».
ظل ابن تنباك صامدًا أمام موجات الاعتراض، متوكئًا قلمه لمواجهة تيارات الانتقاد.. واضعًا منهجه كخلطة سرية من الاقتناع والإبداع.
يرى البعض أن آراءه «مثيرة للجدل»، ويمعن هو أن رؤيته «مغيره للجهل» في قطبية تحمل النقد والصد، وتجمع الضد والند.
عقودًا طويلة اعتزل ابن تنباك «المنصات الملمعة» حاملاً حقيبته المثقلة بغنائم «الأفكار» وجواهر «الابتكار»، منهمكًا في ماراثون معرفي، يلاحق فيه بُعد نظره وأبعاد نظريته في ملحمة نازل فيها «البحوث» و«المستجدات» و«المواضيع» بالفكر والخبرة والبحث والمناقشة.. لذا كان «الخبير» المحتفى به حينما يذكر اسمه وحيثما تستذكر سيرته.