عبد الله باخشوين
** منذ البدء أعترف أنني كاتب قصة (فاشل).. لم أتعلم من الأدب الروسي.. أو حتى الأدب المصري أي شي ينمي موهبتي.. فقد غفلت أو ربما أكون قد تعاليت عن (الحارة) وكل ما فيها من حكايات شعبية ثرية وطريفة وساحرة بما فيها من جمال يحمل نكهة الحياة ويحتفل بها.. وتحركت عبر المخيلة (واللي كان كان).
غير أنني - منذ الأمس- وجدت أن أخبار (كرة القدم السعودية) أعادتني للحارة وحكايتها التي لا تخلو من الطرافة.
إذ عندما كنا شباناً.. كانت صلاة المغرب تجمع كل أهل الحارة تقريباً ومنذ لحظة خروجنا من المسجد كنت تجدنا نتشكل في مجموعات صغيرة.
يشكل معظم كبار السن مجموعة أو أكثر لتبادل الحديث والأخبار.. وتتشكل مجموعاتنا حسب علاقات الصداقة والمودة التي تربطنا.. ولم تكن مجموعاتنا الشابة تخلو من بعض كبار السن الظرفاء الذين يجاروننا في الحديث ويروي بعضهم حكايات مضحكة نسعد بسماعها والتعليق عليها دون التقليل من مقام قائلها.
في ذلك اليوم التحق بجمعنا أحد (الشياب) وقال محتجاً بغضب:
- الله عليكم يا عيال ما بقي شي ما سويتوا.. حسبي الله عليكم حتى الصلاة لعبتوا فيها وسويتوا لنا صلاة جديدة..؟!
وعلت ضحكات من فهم المعني.. أما بقيتنا فقد نظرت إليه باستنكار.. خاصة وأنه يتوجه بالاتهام لابن الإمام الذي كان يصلي بالناس إذا غاب أبوه لسبب أو آخر.. وكان كل أهل الحارة يستحسنون صوته ويصلون خلفه برضى ويدعون له بالتوفيق.
وعلت أصواتنا:
- يا عم (فلان) ما يصير ما قد شفنا منه غلط؟!
فأخذ يشرح لنا الحالة بغضب شديد:
- من يوم علمني أبوي الله يغفر له أصول الصلاة وأنا ما قد فوت فرض.. وطول عمري أعرف أن الصلاة ركوع ثم سجود واليوم الإمام اللي تمدحونه خلانا نسجد بدون ركوع.. يا ولد إذا هو مستعجل على المسلمين يقعد في بيتهم أحسن له.. أنا بروح اشتكيه عند أبوه؟!
ضجت برحة الحارة بضحكاتنا.. بعضنا يسخر منه.. والبعض من طريقة كلامه.. والبعض من جهله.. ثم عندما انتهى ضجيجنا.. تنبهنا إلى أن ذلك (الشايب) الجميل الذي نحبه جميعا ليس في نهاية الأمر سوي (رجل أمي) حفظ ما يسره الله له من القرآن الكريم وتعلم أصول الصلاة ولديه من العلم ما يجعله يفرق بين الحلال والحرام.
عندها أنبرى أكثرنا علماً، وأخذ يشرح له أن هناك آيات في القرآن الكريم إذا تليت تستوجب السجود دون ركوع اقتداءاً بسنة النبي الكريم محمد بن عبد الله عليه أفضل الصلاة السلام.
ومضينا نلقي على الشايب دروسا واجتهادات أوقفها بعد أن ضاق بنا وقال: - يعني الصلاة اللي صليناها صلاة صحيحة ما هي اجتهادات شباب؟!
قلنا صحيحة.. وعندما أرابته وأغضبته ضحكاتنا.. قال محذرا: - أبروح البيت أسأل البنات.. ولو قالوا كلام ثاني بكره أوريكم شغلكم أنتو والإمام.؟!
مضي وبقينا نتسامر إلى قرب أذان العشاء.
على فكرة.. في البدء قلت إن الذي أعاد ذاكرتي لمثل هذه الأجواء هو بعض أخبار (دوري الأمير محمد بن سلمان) الذي يعد ظاهرة استثنائية في دوريات المحترفين في العالم.
غير أن المساحة المخصصة للمقال.. تدفعني لتأجيل الكتابة عنه للأسبوع القادم.... ربما.