د. أحمد الفراج
لا يراودني شك في أن أخطر الاتهامات التي ذكرها الصحفي، بوب وودوورد، في كتابه عن الرئيس ترمب، هي زعمه نقلا عن مصدر مجهول، بأن ترمب قال عن وزير العدل، جيف سيشون، بأنه: «جنوبي غبي»، وهنا لا بد من الحديث عن التاريخ الأمريكي، لنتبين حساسية وخطورة هذا الاتهام، فهناك فوارق بين الشمال الصناعي، والجنوب الزراعي، منذ قيام الامبراطورية الأمريكية، فولايات الجنوب، من ولاية كنتاكي، مرورا بولايات تينيسي وجورجيا، حتى فلوريدا في أقصى الجنوب، وما يحيط بهذه الولايات، مثل ولايات الاباما وميسيسيبي واوكلاهوما ولويزيانا وغيرها تعتبر ولايات زراعية، تعتمد على الزراعة، التي كان يقوم عليها حتى نهاية الحرب الأهلية، الرقيق الأسود، وهذا الأمر قاد في نهاية المطاف للحرب بين الشمال والجنوب.
في عام 1860 عندما قرر الرئيس ابراهام لينكولن، إلغاء الرق، وعارضته ولايات الجنوب، وقامت جراء ذلك حرب أهلية طاحنة، مات فيها خلق كثير.
بلغ الشقاق بين الشمال والجنوب درجة أن ولايات الجنوب انفصلت، وأسست دولة أسمتها: «الولايات الكونفيدرالية الأمريكية»، وفي نهاية المطاف انتصر الشمال، وأعاد الرئيس لينكولن توحيد أمريكا من جديد، ومنذ ذلك التاريخ البعيد لا تخطئ العين تلك الفوارق بين الشمال والجنوب، ومع أن الحراك الديمقراطي والوعي يخفي تلك الفوارق كثيرا، إلا أنها لا تزال موجودة، فولايات الجنوب، ومنذ أن أقر الرئيس الديمقراطي، ليندون جانسون قانون المساواة بين السود والبيض، في عام 1968، تصوت للحزب الجمهوري، عدا عن حالات نادرة، أي أن التسامح العرقي في الجنوب لا يمكن أن يقارن بنظيره في الشمال والغرب، أي في ولايات نيويورك وكاليفورنيا ونيوجيرسي واوريجن ومين وغيرها، والأهم هو أن الجنوبيين يعتقدون أن أهل الشمال الصناعي ينظرون لهم نظرة دونية، ومثل ذلك موجود في كل بلاد العالم.
في الانتخابات الرئاسية الماضية، صوتت ولايات الجنوب، كالعادة، للمرشح الجمهوري، دونالد ترمب، وعندما يزعم كاتب، بحجم بوب وودوورد، أن ترمب قال عن وزير العدل الجنوبي التقليدي العتيد، جيف سيشون، إنه غبي، فنحن أمام استراتيجية في منتهى الخبث والدهاء، تهدف إلى خلق أجواء عدائية لترمب وللجمهوريين، من قبل ولايات الجنوب التي يتحسس سكانها من نظرة أهل الشمال الدونية لهم، والرابح الأكبر هنا هو الحزب الديمقراطي، وأعترف هنا أن هذا الاتهام، هو أكبر الأدلة على أن كتاب بوب وودوورد مسيّس حتى النخاع، وتم إصداره بهذا التوقيت قصدا، على أمل أن يصنع فارقا في نتائج الانتخابات القادمة، ولكنني لا أعتقد أن جمهور ترمب في الجنوب سيصدق هذه المزاعم، بل ربما أن النتائج ستأتي عكسية لصالح ترمب في نهاية المطاف، والفيصل هو نوفمبر القادم.