عمر إبراهيم الرشيد
لايمكن إطلاق وصف التنمية الشاملة أو النهضة مع إغفال مسائل تتعلق بصحة الإنسان والبيئة، أو ماسواهما من مكونات نهوض الدول والمجتمعات. سأحاول هنا وباختصار غير مخل الحديث عن عنصري البيئة وصحة الإنسان وهما على كل حال مرتبطان ببعضهما. يكثر الآن حديث الإعلام الرسمي والشعبي عن ظاهرة إغلاق آلاف المحلات التي تطوق الأحياء وتخنق شوارع المدن السعودية، وهي النتيجة الطبيعية لتصحيح أوضاع مئات الآلاف من المقيمين ومكافحة التستر التجاري فنتج عن ذلك ترك هذه الآلاف من المحلات وإغلاقها. وقيل وكتب الكثير عنها وسبق لي تناول هذه المسألة هنا مراراً، لكنها هموم المجتمع ومطالبه تفرض نفسها وتعاود الظهور على هذه الصفحات وهذا ديدن الصحافة الرصينة في كل المجتمعات.
قلت لمن يحدثني عن تلك المحلات بأنني أتمنى رؤية المنازل على جانبي الشوارع بدل هذه السلاسل التي تخنق الأحياء، محلات لاتناسق وترتيب لها، بل تشوه بصري وتلوث بيئي وصحي وتكرار لطبيعة نشاطها وهذا ما أدى إلى سرعة بل سهولة إغلاقها. والتخوف من قبل البعض بأن الخدمات سوف تتناقص أو يصعب الحصول عليها وسوف يرتفع ثمنها أمر مبالغ فيه، بل إنه تفكير سطحي وقصر نظر مع تمنع عن تحمل المسئولية الوطنية والاجتماعية في سبيل التغيير إلى الوضع الصحي المفترض اجتماعيا واقتصاديا وأمنيا. ما هي الحاجة الفعلية إلى عشر صيدليات في الحي الواحد؟!، أو إلى عشرين بقالة معظم أوضاعها الصحية سيئة؟، وغيرها من أمثلة هذه الآلاف من الدكاكين وماتسببه من اضطراب الحركة المرورية والضوضاء والتلوث وهدر الطاقات، فإلى متى ولم لا نكون مثل غيرنا من الدول؟ وقد حان برأيي وضع حد لهذه الفوضى في شوارعنا وأحيائنا ووقف منهجية منح التراخيص التجارية دون مراعاة للنواحي البيئية والصحية للسكان، وهي المنهجية التي انفجرت مع بدء الطفرة الأولى منتصف السبعينات الميلادية ولعلها تتجه الآن إلى التصحيح وهذا مايتمناه كل مخلص.
أما المسألة الأخرى المتعلقة كذلك بصحة الإنسان والبيئة فهي هذه المبادرة الجميلة والكبيرة من أمانة الرياض، بإطلاق مبادرة (شجرة لكل مبنى) وهي المبادرة التي طال انتظارها عقوداً من الزمن فأتت سلسبيلا لكل من ينشد التصحيح البيئي، وعودة الأشجار إلى شوارعنا وأحيائنا، وانتشار اللون الأخضر وزيادة الرئة الخضراء لبيئتنا التي أنهكها الحفر والتكسير وقتلها الغبار نتيجة التصحر وقلة الغطاء النباتي، فجفت معها النفوس والمشاعر وهذا ليس تنميقا للكلام إنما هي حقيقة علمية ثابتة. هذه أمانة الرياض ومعها مكة والمدينة شرفهما الله، الدمام، الجبيل، القريات، حائل، نجران وباقي مدن وقرى هذا الوطن المعطاء، ضمن التحول الوطني والرؤية الشاملة، وصحة البيئة والمجتمع أساس التنمية ومحركها الحقيقي وطابت أيامكم.