لبنى الخميس
القراءة مفتاح الحضارة.. المعرفة.. والسعادة.. نهج رسمه ديننا حين كانت «اقرأ» أول كلمة نزلت في قرآننا العظيم.. بالقراءة ترتقي العقول.. وتسمو النفوس.. وتنهض الأمم.. وبين سطور الكتب نجد دهشة المعرفة ونور العلم وطعم السعادة.
ومن هذا المنطلق أطلق مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي إثراء الذراع الإبداعي والمجتمعي لشركة أرامكو مبادرة مسابقة القراءة الوطنية (اقرأ) التي تهدف إلى صقل وتعزيز عادة القراءة وإعداد جيل جديد متسلح بالعمق والمعرفة، ومستعد لصناعة الأثر والتغيير معتمداً على الله سبحانه وعلى خزينته المعرفية واللغوية والعلمية.
انطلقت مبادرة اقرأ قبل 5 سنوات، واستهدفت المسابقة في نسختها الأولى عام 2013م شباب وفتيات المنطقة الشرقية، فيما اشتملت في نسختها الثانية في عام 2014م على جميع مناطق المملكة، وضمّت في نسختها لعام 2015م مشاركات من المقيمين. وقد وصل عدد المشاركات في المسابقة لعام 2016م إلى أكثر من 14 ألف مشاركة في نسخة هذا العام، أي بعد5 سنوات على إطلاقها، تبدو اقرأ في أجمل حللها، فقد دُعيت بكل سرور لحضور الحفل النهائي للمسابقة الجمعة الماضية، وقد لفت انتباهي حرص المسابقة على إعداد ليس جيلاً قارئاً فحسب بل قراء مفكرون يستطيعون إدارة الحوار، وكتابة النصوص، وسرد القصص، وترجمة أفكارهم وقراءاتهم إلى نصوص إبداعية مؤثرة، والمنافسة عليها في الحفل الختامي.
يسبق ذلك إعداد مكثف من خلال مخيم صيفي يضم أنشطة وورش عمل، وجلسات عصف ذهني وإبداعي، لصقل مهارات المتسابقين وجعلهم في أهبة الاستعداد لخوض معترك الكلمة المبدعة والخطاب المؤثر. كل هذا الحِراك الرائع يحدث في ظل تلاشي ثقافة القراءة، وتدنّي نسب القراء، مع غزو مواقع التواصل الاجتماعي والإدمان المخيف عليها في السعودية الوطن العربي.
راقب مجموعة من شباب هذا الجيل في مقهى أو مطعم، ستجد أمام كل واحد منهم هاتفاً لا يهدأ عن إصدار رنين التنبيهات فتلك رسالة من الواتس اب وتلك من سناب وأخرى من الانستقرام، فتصبح الضحية الكبرى هي العمق نفسه، ولغة الحوار التي تكاد تنعدم إذ أصابها الشلل والارتباك جراء سيطرة الأجهزة على عقولهم وحواسهم. ما يعزز ضحالة التفكير وشح الثقافة وتواضع مهارات الاتصال والتحليل وسطحية الرؤية لدى جيل عربي خليجي جديد يعيش غربة ثقافية حقيقة.
في دراسة أجرتها مؤسسة الفكر العربي قبل سنوات عن مدى معرفة الشباب بالأدباء العرب، أظهرت الدراسة أن 57 % من الشباب العربي لا يعرفون من هو غازي القصيبي وكانت إجاباتهم «لم نسمع عنه»، في حين هناك عدد آخر لم يسمعوا بعنترة ابن شداد ولا أحمد شوقي ولا حتى المتنبي!
في حفل اقرأ سرد المتأهلون العشرة للفوز بجائزة الحفل، نصوصاً ضمت أفكاراً إبداعية رائعة، مفاهيم إنسانية وثقافية ملهمة، وشخصيات أدبية وفنية وعلمية متميزة أمثال مونيه وغوتا وأحمد شوقي ونيوتن مستشهدين بأفكارهم ومستنيرين بسيرهم، ما يشرح الصدر، ويبشر بالخير.
شكراً أرامكو وإثراء على خلق هذه الروح التنافسية، وتنظيم هذه الفعالية التي من شأنها صناعة قدوات شبابية جديدة، والأهم الحرص على أن لا تكون قراءة الكتب قائمة على الكم فحسب بل على الكيف وهو الأهم.