«الجزيرة» - تحقيق خالد الحارثي:
«الصحة تاج فوق رؤوس الأصحاء» مثل عربي يشعر به كل مريض، وبعيدًا عن المرض الجسدي يكون الأمر أكثر حساسية مع أصحاب المرض النفسي الذين وضعهم المجتمع في مساحة بين تنصل الأسر منهم ورفض المجتمعات لهم فتظهر معاناتهم الحقيقية التي تجعلهم يختبئون وراء جدران أحزانهم في انتظار من يذهب بهم لمشعوذ أو ساحر للهروب من لقب مريض نفسي.
يعاني 25 بالمائة من المجتمعات من الاضطرابات النفسية، استنادًا إلى إحصائيات منظمة الصحة العالمية المسببات الجديدة لاكتشاف المرض النفسي في المملكة تكمن بشكل كبير في المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية والتقنية. ويصل عدد مستشفيات الصحة النفسية بالسعودية إلى 20 مستشفى تتسع لأربعة آلاف سرير، وسترتفع لاحقًا إلى ستة آلاف عند اكتمال المشاريع، كما توجد أكثر من 90 عيادة لاستقبال المرضى، ويبلغ عدد الأطباء النفسيين نحو 847 طبيبًا، وثلاثة آلاف ممرض، و1248 أخصائيًّا اجتماعيًّا، و642 أخصائيًّا نفسيًّا.
رفض المجتمع استقبال المرضى النفسيين المتعافين، يتسبب في إشغال ألف سرير على مستوى المملكة، بينهم 400 في الطائف لرفض أسر المرضى المتشافين استلامهم برغم أنهم لا يحتاجون غير الانخراط في برامج الرعاية المنزلية والدمج في المجتمع، وفي هذا الاستطلاع للجزيرة يؤكد عدد من الخبراء والمختصون والمختصات في الطب النفسي أهمية تقبل المجتمع للمرضى النفسيين الذين تلقوا العلاج ولو عبر مراحل وبشكل تدريجي، منبهين إلى ضرورة تفهم هؤلاء المرضى وتحقيق رغباتهم في الاندماج وإشعارهم بأنهم أسوياء كغيرهم في الفئات المجتمعية.
مراكز أجواد للرعاية المجتمعية
يقول الدكتور سعيد الأسمري: لقد تم إنشاء مراكز أجواد للرعاية المجتمعية لتتولى رعاية وتأهيل المرضى النفسيين التائهين والمشردين والمرفوضين من قبل أسرهم كأول مراكز خيرية متخصصة تقدم خدمات الرعاية والتأهيل للمرضى النفسيين المشردين والتائهين وقد تم تشغيل المركز الأول في غرة محرم عام 1434هـ بمدينة الرياض بمباركة كريمة من مقام إمارة منطقة الرياض, وتم افتتاح المركز الثاني بمحافظة جدة في غرة شهر محرم لعام 1436هـ وبفضل الله تعالى فقد تميزت هذه المراكز برعاية وتأهيل هؤلاء المرضى الذين يعانون من الإهمال والرفض من قبل أسرهم والعمل على إيجاد بيئة جاذبة لهم يتم فيها تقديم برامج متنوعة تسهم في تحسين أوضاعهم والوصول بهم إلى حياة كريمة والعمل على إعادة بناء العلاقات الأسرية وتوعية أفراد المجتمع بأهمية العناية بهذه الفئة, وكان من أبرز ثمار هذه المراكز جذب المرضى النفسيين التائهين من الأماكن العامة بالتنسيق مع القطاعات المعنية واحتوائهم في بيئة صحية مناسبة, وتقديم خدمات الرعاية والتأهيل المختلفة وتعديل أوضاعهم الشخصية والاجتماعية والعمل على استقرارهم واندماجهم بالمجتمع وقد توج هذا العمل بالحصول على جائزة الأميرة صيتة بنت عبدالعزيز للتميز في العمل الاجتماعي وبناءً على هذه التجربة الناجحة لمراكز أجواد صدرت موافقة سمو ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء بتحويل تلك المراكز إلى جمعية وطنية بمسمى (الجمعية الوطنية للخدمات المجتمعية) «أجواد» وتم تسجيلها بوزارة العمل والتنمية الاجتماعية، مطلعين بحول الله تعالى إلى بناء نموذج وطني نوعي للخدمات النفسية والمجتمعية على مستوى مناطق المملكة وتفعيل دور الشركات المجتمعية.
مجمع الأمل بالرياض.. جهود في العلاج والتأهيل والتحفيز بعد العلاج
يبذل مجمع الأمل للصحة النفسية بالرياض جهودًا حثيثة وكبيرة في الاهتمام بالمرضى النفسيين وتقديم الرعاية لهم من خلال العلاج والتأهيل، إضافة لجهوده في حث الأسر على التعاون معه، وبما يسهم في استقرار حالة المرضى الصحية، وكذلك إجراء عمليات البحث عن الأسر التي تخلت عن أبنائها والتواصل معهم لاحتوائهم.
علاج المرضى في منازلهم
من جهته أوضح رئيس قسم الرعاية الصحية المنزلية بالمجمع الأخصائي فهد السبر أن المجمع يحرص على استمرار استقرار حالة المريض النفسي، وذلك بتقديم الخدمة عبر هذا البرنامج، الذي يعمل على تقديم الرعاية الطبية والتمريضية والخدمة الاجتماعية للمرضى النفسيين في منازلهم عبر فرق متخصصة، ويبلغ عدد المستفيدين من البرنامج (803) مرضى نفسيين (رجال ونساء)، وتضاهي هذه الخدمة ما يقدم داخل المجمع للمرضى النفسيين المنومين، وتخدم المرضى المستقرين الذين تم إقرار خروجهم من المجمع حيث يقوم الفريق بمتابعتهم بشكل مستمر للحفاظ على استقرارهم، كما يخدم المرضى الذين لا يستطيعون الحضور للمجمع بسبب معاناتهم اقتصاديًّا واجتماعيًّا.
البحث عن الأسر
ويبين مدير مركز الإخاء الاجتماعي خالد العصيمي أن المركز أحد المنشآت التابعة لمجمع الأمل بالرياض ويقدم خدماته لناقهي الأمراض النفسية ويضم (100) سرير، وهو مشغول بالكامل.
وكان يعاني كثيرًا من عدم القدرة على الوصول للأسر التي تخلت عن أبنائها من المرضى النفسيين، وهو ما كان ينتج عنه خلل في البرامج التي يقدمها المجمع نتيجة فقدان الدعم الأسري، مبينا أن إحصاءات المجمع تشير إلى أن بعضهم موجود في المجمع والمركز منذ أكثر من 20 عاما، دون الوصول لأسرهم، وقد حقق المجمع متمثلا في المركز نجاحات كبيرة في التوصل إلى (90 %) من الأسر، وتمت دعوتهم للالتقاء بأبنائهم، وبالفعل تم ذلك وأصبحت المشاركة كبيرة من قبل هذه الأسر في دعم البرامج المقدمة للمرضى وخاصة في المناسبات العامة كالأعياد واليوم الوطني والبرامج الداخلية، وقد كانت سعادة المرضى كبيرة بالتقاء ذويهم.
تخفيف العزلة الاجتماعية
د. منى الصواف استشارية الطب النفسي وخبيرة دولية للأمم المتحدة في علاج الإدمان عند النساء أشارت إلى أن التوجه الحديث في علاج المرضى النفسيين يكون في بيئتهم وهو ما يعرف بالطب النفسي المجتمعي ويعتمد على مساعدة الأهل في تطبيق العلاج وأيضًا إعادة التأهيل مما يخفف من العزلة الاجتماعية والوصمة تجاه المريض ويحافظ على مهاراته الاجتماعية والعملية وأصبحت هناك الكثير من الدول التي تطبق القوانين الخاصة بتوظيف ودمج المرضى النفسيين الذين يتم علاجهم يدمجون في وظائف ومهن تناسب قدراتهم.
وهنا يجب أن يتم تحفيز الأهل على تقبل المريض تحت الإشراف العلاجي التأهيلي الذي يطبقه العاملون المختصون من تمريض متخصص وأخصائيين اجتماعين وأخصائي العلاج بالعمل مع الأسرة.
الوعي المجتمعي
وترى فوزية النغيمشي أخصائية نفسية أن المعتاد العمل به بعد انتهاء فترة علاج المرضى هو التوصيات الموجهة للأهالي من قِبل المعالج وتطبيق الإرشاد الأسري إن لزم الأمر لتخفيف العبء على الأهل بتفهم المريض وكيفية التعامل معه.
وتختلف الأسر في مستوى الوعي لديهم من عدمها فقد يكون أحد أفراد الأسرة هو احد العناصر الأساسية في العلاج
لدورة الأساسي في المتابعة ومنهم للأسف من يرفض استلامه بعد إقرار الخروج من المستشفى بحجة أنه غير قادر على رعايته، وهذا يرجع لعدم وجود الوعي الكافي بطبيعة الأمراض النفسية وبدورنا مختصين ومعالجين هو الدور الوقائي وتكثيف الجهود في نشر الوعي في المجتمع.
النظرة الإيجابية
وقالت هيفاء العبلاني باحثة اجتماعية تخصص قضايا أسرية «إن المريض النفسي دائما يبقى شخص يعاني وربما المجتمع ومن هم حوله لا يتعاطفون ولا يرحمون ومن هنا يجب أن ننوه إلى ضرورة تغير نظرة المجتمع للمريض النفسي والمتعافي بنظرة إيجابية لأن لها دور جداً هام وتدعمه من التأثيرات السلبية وتحولها إلى إيجابية ويبدأ ذلك من احتوائه وعدم النظر إليه بنظرة الشفقة وهذا الدعم يكون ابتداء من أسرته وصولا لأصدقائه والأشخاص المحيطين به ومجتمعه الخارجي، ودعم المتعافي بشكل مستمر وليس لوقت قصير من الزمن حتى يصل ويحصل على فرص عملية تهيئه لحياة كريمة لا يحتاج بعدها مساعدة من الآخرين، والبحث له عن عمل ملائم لوضعه ودمجه ببرامج تعزيز الصحة النفسية التي تدعمها وزارة الصحة ولجان التنمية الاجتماعية».
العائلة هي المكان والأمان
من جانبها قالت الأخصائية الإكلينيكية تهاني العتيبي: إن للأهل دورًا رئيسيًّا في العلاج حيث إن العائلة هي المكان الذي يشعر فيه المريض بالأمان والحب غير المشروط فبعد رحلة علاج في المستشفى وتحسن المريض على الأهل أن يشعروا المريض أنه شخص طبيعي الآن، وتقبل كامل لشخصه واحتواء لمشاعره وانفعالاته، وعلى الأهل تفهم حالة المريض وما هي الأشياء التي قد تؤدي إلى انتكاسة الحالة وكيفية التعامل معه، فالأهل لهم دور كبير جدًا في تحسن الحالة أو تفاقم الوضع إلى مآل سيئ، حيث نجد الكثير من الحالات في مستشفيات الصحة النفسية ترفض الخروج من المصحة لأنها وجدت الراحة أو الاستقرار، وهناك من يرفض الأهل استقباله عند التعافي والخروج من المصحة ومدى تأثير ذلك على الحالة قد تؤدي إلى انتكاسة المريض.