د.مساعد بن عبدالله النوح
استقرت آراء التربويين على أن الاستثمار في التعليم هو الاستثمار الناجح، ويكون في الإنسان، باعتباره هو اللبنة الحقيقية في تشكيل المجتمعات وتقدمها، وقد أدرك رجال المال والأعمال هذه الحقيقة، ولكن وفق مقاييسهم، وبالتالي جعلوا من التعليم سبيلاً لنماء أموالهم وتوسعها?، فظهرت مفاهيم ومصطلحات وممارسات تنسجم مع هذه التوجهات الربحية.
ويعد تسليع التربية والتعليم أحد هذه المفاهيم، الأمر الذي جعل نظم التعليم في المجتمعات المعاصرة تقابله، وله تسميات أخرى، مثل تبضيع التعليم، ويبدو أن مفهوم التسليع عُرِف مع الطفرة الاقتصادية، وتغير العادات الحياتية للأسرة تجاه التعليم، وهذا المفهوم بدأ في قطاع الاقتصاد والأعمال، ثم وجد ملاك المال التربية أرضية خصبة لاستنباته على أرضها.
والتسليع التربوي، أو التبضيع التعليم، كما عرفها يزيد عيسى السورطي هو تحويل العملية التربوية من رسالة سامية إلى سلعة تجارية، حيث إنه يحول التربية إلى بضاعة استهلاكية، تخضع لقانون العرض والطلب، ويستطيع البعض الحصول عليها بينما يعجز البعض الآخر عن ذلك، وتتعرض العملية التربوية إلى الغش كأي سلعة أخرى. وفي هذه العملية يصبح الهدف الأسمى للتربية هو تحقيق الربح، ويتم تسويقها والترويج لها بأساليب شتى مشروعة وصادقة في بعض الأوقات، وينتابها الكذب والتزوير في أوقات أخرى.
ووصف الكسندر، تسليع التعليم بأنه إدخال العملية التربوية إلى الأسواق، وعرض الدرجات العلمية كبضاعة للبيع، وتحويل المؤسسات التعليمية إلى شركات تجارية، هدفها تحقيق المكاسب المالية، يقوم عملها على التنافس ومبدأ البقاء للأصلح، ورأى دريسكول وويكس بأنه أي التسليع التربوي التعليمي، عمل القائمين على مؤسسات التربية والتعليم كرجال أعمال عاديين، ينافسون لبيع منتجاتهم للمستهلكين، علما أن المنتَج هنا هو التربية والتعليم، وأما المستهلكون فهم الطلبة، وسوق العمل يستوعب الكثير من مروجي هذه العملية.
ومن مظاهر انتشار التسليع التربوي والتعليمي، انتشار الدورس الخصوصية، والتوسع في تأسيس المدارس والجامعات الخاصة، وتقادم محتويات المناهج الدراسية، حيث إنها لا تواكب التطورات العلمية والتكنولوجية، والعجلة في إعداد البحوث التربوية والرسائل الجامعية؛ لنيل كسب سريع معين كالحصول على درجة علمية، أو ترقية وظيفية، أو مكافأة تشجيعية.. إلخ، وحال الامتحانات، إذ تخضع في أحيان معينة للعرض والطلب والمساومة. حيث تتعالى أصوات بعض أولياء أمور الطلاب وتصل إلى وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي حول ادعاءات قد تكون غير دقيقة كصعوبة الأسئلة، أو عدم تدريس المعلمين لموضوعاتها، أو ضيق الوقت المخصص لها، أو اختيارها من خارج المواد المقررة، أو تركيزها على أسئلة غير مباشرة. وفي بعض الأحيان تستجيب بعض وزارات التربية والتعليم للضغط الشعبي، فتقدم بعض التنازلات في تقدير الدرجات، أو أوزانها بين مختلف الأسئلة؛ استرضاء للشاكين، وانتشار الشهادات من جامعات وهمية، والتوسع في مراكز الخدمات الطلابية.
ولعل من أسباب تفشي هذه الظاهرة التروبية، سبب اقتصادي، حيث يُنظر إلى التعليم على أنه ترف مثل الخدمات التي تقدمها الفنادق والمستشفيات وغيرها من الجهات، وسبب اجتماعي، كون مظاهر التسليع التربوي تؤدي إلى الوجاهة الاجتماعية، وإظهار القدرة الاقتصادية.
ومن آثار التسليع التربوي تركيز قيم الطلاب على القيم الاقتصادية، مثل الرغبة في الحصول على الشهادة، و الكسب السريع، والثروة، ومنها إضعاف تكافؤ الفرص التعليمية؛ لان الخدمة تقدم لمن يملك المال وليس الجدارة العلمية والحرص، ومنها اغتراب الطلاب حيث يتجردون من إنسانيتهم ويتحولون إلى كائنات تُباع وتُشترى وفق الطلب، ومنها إضعاف العملية التعليمية؛ بسبب علم بعض المدارس وبعض المعلمين برغبة الطلاب في الدروس الخصوصية وأن حضورهم للمدرسة؛ لإثبات الحضور، والمحافظة على السلوك والمواظبة.
وقد قدمت كتابات حلولاً للحد من هذه الظاهرة، لكنها جاءت على هيئة توصيات قدمتها، ومنها الكف عن النظر إلى التربية على أنها مجرد مشروع استثماري هدفه الأول الربح السريع، و توجيه ملاك المال والأعمال إلى أهمية الحد من المنفعة الذاتية، ومحاسبة كل مدرسة ومعلم يقصر في أدائه التدريسي للحد من الدروس الخصوصية.