حمّاد السالمي
- كان الكلام في المقالين السابقين على دروب الحجيج التي تربط مكة المكرمة بما حولها من ديار من جميع الجهات، وتصلها بالأمصار العربية والإسلامية البعيدة والقريبة. تاريخ هذه الدروب؛ حافل بالكثير من الطرائف والمواقف، التي سجلتها ذاكرة الحاج المؤرخ، والمجغرف، والشاعر، والأديب؛ كما لم يحدث في أي بقعة أخرى في هذا العالم. هذه حالة انفردت بها مكة المكرمة والأراضي المقدسة، حتى جاء النقل الجوي؛ الذي قلصها؛ حتى أضحت هذه الدروب الشهيرة في التاريخ؛ جزءًا من الذاكرة العربية، اللهم إلا البعض القليل من الدروب القريبة من مكة المكرمة، بينها وبين المدينة المنورة، والطائف، ونجد، وتهامة.
- نأتي اليوم للكلام على درب لا يقل أهمية عن بقية دروب الحجيج القائمة حاليًا، ألا وهو (درب الخواجات). فهو طريق قديم جديد، يطرقه في العادة المسافرون بين جدة والطائف من غير المسلمين خارج حدود الحرم المعروفة، ويفضله من ليس له حاجة بدخول مكة المكرمة، أو يرغب في تفادي الزحام في رمضان وفي أيام المواسم، فهو يبدأ من الشميسي على طريق مكة جدة في اتجاه الجنوب، ثم الشرق، حتى يخلط مع طريق الطائف مكة من أعلى العابدية ونقطة تفتيش مدخل عرفات، بطول حوالي 80 كم. كان هذا الدرب ترابيًا حتى زفت في وقت سابق، وظل على حاله دون توسعة أو تحسين إلى ما قبل عشر سنوات، فقد بدئ العمل في توسعته وتحسينه لمسافة 7 كم من جهة الشميسي، وتوقف العمل فيه حتى اليوم.
- من يعرف جغرافية المواصلات المحيطة بمكة والمشاعر المقدسة؛ وعاش تجربة الحركة من خلالها في شهر رمضان، وفي موسم الحج يتساءل: لماذا نهمل درب الخواجات؛ وهو الوحيد اليوم المفرج لحركة التفويج، والمخفف عقدة المواصلات في مكة وعرفات ومنى ومزدلفة في رمضان، وفي موسم الحج..؟.
- سلكت هذا الدرب في موسم الحج الفارط عدة مرات، ووجدت كم هو سهل ممتنع سهل.. في تفادي الزحام في مكة والمشاعر وتقليص الوقت، وممتنع.. بما هو عليه من ضيق ووحشة ومنعطفات وأخطار غير متوقعة. درب الخواجات اليوم؛ على اتجاه واحد بدون حماية ولا إضاءة ولا خدمات، مع أن الحركة عليه نشطة جدًا، والحاجة إليه ملحة للغاية، والعمران على أطرافه يتسع. وقد كنت ومعي الكثير نتساءل دائمًا: لماذا يُكره المسافرون بين جدة والطائف والجنوب ونجد وخلافها؛ على الدخول من طريق جدة أو الطائف إلى مكة، ومقاساة اختناقات المرور، والتضييق على الحجاج والمعتمرين، وهناك درب ناقل للحركة؛ يخفف عن مكة تكدس السيارات، وضغط المرور، خاصة في مواسم الحج والعمرة..؟
- كان مشروع توسعة درب الخواجات وتحسينه وتنشيطه؛ محط اهتمام وعناية أمير منطقة مكة المكرمة قبل عشر سنوات، وشرعت وزارة النقل في التوسعة في تلك الفترة، ثم توقف العمل، ونحن نرغب إليها وإلى هيئة تطوير مكة المكرمة، وهيئة تطوير الحج وغيرها من الجهات المعنية؛ سرعة العمل على إنجاز هذا المشروع الحيوي، الذي لا يهم الخواجات من غير المسلمين وحدهم، ولكنه يهم كذلك كافة المسافرين بين جدة والطائف والباحة وعسير، ومنطقة الرياض والشرقية، وغيرها من غير المعتمرين ولا الحجاج.
- حركة المرور في مكة المكرمة والمشاعر المقدسة؛ أعقد ما يكون في منطقة سكنية محاطة بالجبال، ويؤمها في أوقات قصيرة في مواسم العمرة والحج ملايين البشر، الذين يركبون السيارات الصغيرة والحافلات، وتضيق المساحات فيها على وقوف مئات آلاف هذه السيارات، فكيف بحركتها وهي تملأ الشوارع والميادين، وتنفث العوادم في كل اتجاه، وتسد مداخل مكة ومخارجها، وإذا دخل فيها من هو عابر لا قاصد لها؛ وجد نفسه في مأزق كبير. أتذكر أني كنت خلف مقود سيارة في حج العام 1394 هـ. تحركنا من عرفات مع غروب الشمس في اتجاه مزدلفة، فلم نصلها إلا مع شروق شمس يوم النحر..! وظللنا في سياراتنا ننام ونأكل ونتحرك قليلاً إذا جاء وقت الحركة، فلم نصل سوق العرب في منى قبالة الجمرات؛ إلا عند غروب الشمس..! تصوروا.. مكثنا 24ساعة لقطع مسافة 10 كم بين عرفات ومنى..! أي ساعتين ونصف لكل 1 كم تقريبًا. الذين مروا بهذه التجربة في الموسم ذاك قبل 45 سنة كثيرون، ويعرفون هذه الواقعة. كيف هي الحركة اليوم يا ترى..؟ دقائق بين عرفات ومزدلفة، ودقائق أخر بين مزدلفة ومنى. اللهم لك الحمد. المقارنة بين حركة المرور اليوم وأمس؛ دالة على الاستفادة المتحققة من تجارب الأعوام الفارطة. هناك تطور كبير ومذهل في هذا الجانب، سخّر الميكنة، وفتح المنافذ والمخارج. لماذا لا نكمل الحلقة الجميلة هذه؛ بتوسعة درب الخواجات، ونحقق بذلك آمال الناس في حركة سهلة وسلسلة خارج حدود الحرم في مواسم العمرة والحج..؟ ثم نسهم في نشر العمران والإسكان في هذه الجهات الواعدة..؟.
- ننتظركم يا وزارة النقل، ويا كافة الهيئات واللجان المعنية بتطوير مكة المكرمة، والمشاعر المقدسة، وخدمة الحج والعمرة.