د. حمزة السالم
اشتُهر عن إبراهام لينكون كراهيته الشديدة للرق - ولهذا تمردت عشر ولايات عند انتخابه، والتي هي وغيرها، لم تُنزل له صندوق اقتراع أصلاً - ، فمن أقواله الغريبة قبل عقد من رئاسته، أي عام 1850م كتب لصديق سيناتور ما نصه «كأمة، بدأنا بالإعلان بأن كل الناس خلقوا متساوين» - ونحن الآن نقرأ عمليًا «جميع الناس خلقوا متساوين، ما عدا الزنوج»- وعندما يتحكم الجهلة، سيصبح الإعلان «جميع الناس خلقوا متساوين، باستثناء الزنوج والأجانب والكاثوليك»- عندما يتعلق الأمر بهذا الأمر، فإنني أفضل أن أهاجر إلى بلد لا يدعي فيه أنه محبٌ للحرية - على سبيل المثال، روسيا، التي تستطيع أن تحصل على الطغيان الاستبدادي صافياً نقياً، من غير الحاجة لسبائك النفاق.
ولكنه كان يخشى على فرقة الولايات وانهيار الاتحاد- فمن أقواله في شبابه وهو يتحدث عن المخاطر المحتملة لبلاده من أين نتوقع الخطر؟ هل سيعبر عمالقة المحيطات؟ ويسحقونا بضربة واحدة؟ مستحيل! جميع جيوش أوربا وآسيا لا تستطيع أن تشرب بالقوة من نهر أوهايو، أو تترك أثراً على جبال بلو رديج- حتى لو حاولوا لآلاف السنين.
«إذا كان الدمار من نصيبنا، فلا بد أن نكون نحن من يحدثه ونحن من ينهيه، إما أننا سنعيش للأبد كأمة لأحرار، أو نموت منتحرين».
قدم لينكون السلم ووحدة الاتحاد الأمريكي، على أي شيء آخر- لذا رفع شعار الوسطية في موضوع الرق أثناء الانتخابات- وفي خطاب تعيينه، خاطب الاحد عشر ولاية المتمردة فقال: «الحكومة لن تعتدي عليكم، إذا كانت هناك حرب أهلية فأنتم سيكون من بدأها لا الحكومة».
فلم يكن لينكون محبا للحروب، حتى أنه كاد يخسر مستقبله السياسي والاجتماعي، عندما هاجم الحرب المكسيكية- فلم يبدأ هو الحرب عندما انشقت الولايات العشر، بل بدأها الحمقى المتمردون، حين احتلوا قلعة عسكرية فدرالية.
وقد حرص لينكون بداية أن يجعل سبب الحرب هو وحدة الاتحاد وتأديب المتمردين، لا تحرير العبيد - لذا كان يقول «هدفي وحدة الاتحاد، سواء إن كان سيتم بتحرير العبيد أو عدمه أو تحرير بعضهم واستعباد بعضهم»- لذا أمر بداية بإرجاع العبيد الهاربين لأسيادهم المتمردين، كما هو القانون من قبله، لكن تدخل جنرال أقنعه بنقطتين:
1- إن الفارين السود، يعتبرون من غنائم الحرب، فهم ملك الحكومة، تفعل بهم ما تشاء.
2- إن قانون إرجاع العبيد يتحدث عن الولايات ضمن الاتحاد، لا عن بلاد أجنبية، والمتمردون يدعون أنهم بلاد أجنبية عن الاتحاد.
وقد كان لينكون يواجه معضلة مع شعبه وجيشه، لأنه يرسل رجالا ليغزون آخرين في ديارهم، حتى عندما سألوا جنوبي: لم تحارب وأنت لا تملك عبيداً؟ أجابهم: لانكم أنتم هنا! (أي في دياره).
وقد كان تحرير العبيد سلاحا ذو حدين بيد لينكون- فقد خاف بداية، أن يفقد السيطرة على الجيش والشعب وينشقون عنه، إذا وجدوا أنفسهم يسفكون دماءهم ويخربون ديارهم لأجل تحرير السود- ومن أقوال لينكون في هذا «أخاف أن نصف الضباط يتركون سلاحهم وتنشق ثلاث ولايات أخرى، لو أعلن مرسوما بتحرير العبيد».
ولينكون من أدهى الدهاة التي عرفتهم أمريكا، فقد امتنع عن استخدام سلاح دعوى التحرير في بداية الحرب، حتى جاء وقت استخدامه في الوقت المناسب وذلك لتحقيق غرضين استراتيجيين للحرب:
منع التدخل الأوربي وخاصة بعد إرسال بريطانيا للطرفين تعرض التوسط- فلن تستطيع دولة أوربية أن تساند الجنوب في هدفه في استعباد الناس-.
إنه بعد الدماء والدمار، أراد لينكون أن يُضفي على الحرب هدفا ساميا يبرر الويلات والمأسي التي حصلت، بدل ما تضيع تضحيات الحرب هباء، ضد تمرد فقط.
كان هذا موقف لينكون من قضية التحرير، كان يبغض الرق، ويرى أن هلاك أمريكا سيكون بسببه، ولكنها سياسة الحروب والجيوش والشعوب.