د. محمد عبدالله العوين
مر بنا قبل أيام تاريخ لا يمكن أن ننساه؛ إنه اليوم الأول من محرم مطلع عشرية جديدة من هذا القرن الهجري 1400؛ يوم حمل إلى المسلمين في الكرة الأرضية؛ وليس للسعوديين فحسب أسوأ حدث استهل به جهيمان زعيم تنظيم فئة تكفيرية ضالة إطلالة اليوم الأول من العام الأول من القرن الهجري الجديد.
ذلك اليوم 1-1-1400هـ حرف مسار حياتنا الاجتماعية التي كانت متجهة بعفوية وتلقائية وحب إلى التجديد والتحديث والانفتاح على الثقافات والحضارات الإنسانية والسير في خطط التنمية الطموحة وألقى بنا في تبعات وآثار الحدث الجارح المؤلم الذي أعطب وآذى مشاعر كل مسلم على وجه الأرض فأخذتنا توابع ذلك الزلزال وآثاره إلى حالة أشبه ما تكون بالحيرة أو التردد أو التساؤل عن صحة المسار وهل من الصواب أن نهدئ خطواتنا التي كانت منطلقة بعزيمة وطموح وتوثب وآمال خضراء إلى التطوير والتجديد أم نواصل مسيرتنا دون أن نعبأ بما أحدثته الفتنة الغبية من تساؤلات مضمنة في الحدث المأساوي عن مسار النهضة ومدى اتساع خطوات الانفتاح والتجديد وإلى أي مدى يمكن أن نخطو أو نتوقف أو نتراجع خشية حصول ردود فعل أخرى مشابهة.
لا يتردد أي دارس منصف لدوافع وحيثيات تلك الفتنة الجاهلة أن محرضها القوي كان «صدمة الانفتاح» وخطوات التجديد الحثيثة التي استقبلها الشعب السعودي بسلاسة رائعة وتفاعل مدهش واستجابة مرحبة بالجديد في مناهج التعليم والمرأة والإعلام والتعاطي مع الحضارات الإنسانية من خلال الاستعانة بالخبرات العلمية المتميزة التي أسهمت في نهضة الوطن في شركة أرامكو والجامعات ذات الاتجاه العلمي التجريبي على الأخص والمستشفيات وتخطيط المدن وتكوين بنية خدماتها والإعلام الإذاعي والتلفزيوني والصحافي.
وقبل تلك الفتنة لم يحدث ما يمكن أن يشير إلى ممانعة اجتماعية قوية يمكن أن توقف أية خطوة تحديث حان أوانها، وما أظهرته فئة قليلة معارضة تعليم المرأة لم يقف أمام تنفيذ الأمر الذي أصدره الملك سعود عام 1379هـ بالسماح بتعليم المرأة، وهو الشأن نفسه بعد افتتاح التلفزيون عام 1385هـ إبان عهد الملك فيصل؛ فمعارضة فردية لا يمكن أن يعتد بها.
والحق أن الدولة لا تتخذ أي قرار يعجل بالنهضة إلا بعد أن تتأكد من قبول النسبة الكبرى من الرأي العام له؛ كما هو في تعليم المرأة والتلفزيون، ثم قيادة المرأة للسيارة.
غير أن رد الفعل الغبي على خطوات التحديث التي اتخذتها الدولة في سعيها إلى النهضة كان مستجيبا بصورة أو بأخرى لتأثير تيارات أيدلوجية في البيئة العربية القريبة؛ فقبل مطلع القرن الهجري الخامس عشر كانت حركات فكر التكفير المنبثقة من جماعة الإخوان المسلمين تبذر بذورها السيئة في التربة المصرية؛ كجماعة «التكفير والهجرة» التي ترجمت فكر سيد قطب بصورة عملية؛ فتبنت العنف وإراقة الدماء منطلقة من مفهوم تكفيري لكل من يختلف معها أو لا يتفق مع فكرها القائم على مفهوم «الجاهلية» و»الحاكمية» التي تؤكد الحكم السابق وتؤكده.. يتبع