د. عبدالحق عزوزي
لا حديث اليوم في الاتحاد الأوروبي إلا عن صعود اليمين المتطرف، ودور هذا التوجه السياسي في قلب التوازنات السياسية الكبرى التي لم تعرفها أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، ولعل أبرزها وأهمها مسألة إنشاء الحكومات الوطنية والهجرة ومسألة التعايش الحضاري والثقافي والديني بين مكونات المجتمع. ففي السويد، تعرض أخيرًا الحزب الاشتراكي الديمقراطي الحاكم لتراجع تاريخي في الانتخابات التشريعية هو الأكبر منذ نصف قرن، رغم تصدره النتائج التي جرت الأحد 9 سبتمبر/ أيلول بنسبة 28.4 بالمائة، وذلك بحسب استطلاعات الرأي التي نشرها التلفزيون وراديو السويد. وتقدم اليمين المتطرف ممثلاً بحزب «ديمقراطيو السويد» كثيرًا مقارنة بانتخابات العام 2014، لكنه ظل في المرتبة الثالثة بعد حصوله على 17.6 بالمائة من الأصوات.
وجاء حزب المحافظين اليميني في المرتبة الثانية بعد حصوله على 19.8 بالمائة، وخسارته أكثر من ثلاثة بالمائة من أصوات من انتخبوه في العام 2014. أما حزب الخضر المتحالف مع الحزب «الاشتراكي الديمقراطي» الحاكم فقد نجا بأعجوبة من الخروج كلية من البرلمان (ريكسداغ) بعد حصوله على 4.3 بالمائة، إذ إن النسبة المطلوبة لدخول البرلمان هي 4 بالمئة.
هذه النتائج ستجعل من الصعب على اليمين واليسار التقليديين تشكيل حكومة أغلبية كل بحسب ائتلافه دون اللجوء لحزب اليمين المتطرف. لكن هذه الأحزاب كانت قد كررت مرارًا وتكرارًا أنها لن تتعاون مع المتطرفين، وخرجت من وسطها اليوم دعوات إلى الاتحاد وتخطي العوائق الحزبية لوقف تنامي اليمين المتطرف في البلاد.
وفي ألمانيا، نُظم أخيرًا في مدينة كيمنتس الألمانية حفل موسيقي حضره أكثر من 65 ألف شخص، تلبية لدعوة السلطات إلى التسامح ونبذ كراهية الأجانب. وتأتي الدعوة بعد المظاهرات العنيفة التي نظمتها أحزاب يمينية بعد مقتل شاب ألماني طعنًا في 26 من آب/ أغسطس، أوقفت الشرطة على إثرها عراقيًا وسوريًا.
وقد نظمت جماعات من اليمين المتطرف قبل ذلك بأيام مسيرة في المدينة نفسها على خلفية واقعة الطعن، حيث استغلت هاته الواقعة لإذكاء مشاعر الكراهية ضد المهاجرين واللاجئين.
ونظرًا لخطورة الحشد الذي لم يسبق له مثيل في تاريخ ألمانيا الحديثة، أوقفت شرطة مكافحة الشغب مسيرة لنحو 6000 من أنصار حزب البديل من أجل ألمانيا وحركة أوروبيون وطنيون ضد أسلمة الغرب (بيغيدا) يحتجون على واقعة الطعن؛ وكان المتظاهرون قد تجمعوا قرب تمثال نصفي كبير لكارل ماركس في وسط المدينة وأطلقوا صيحات غاضبة: «المقاومة!»
وموازاة مع ذلك دعت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل الألمان إلى التحرّك ضد «الكراهية» التي ينشرها اليمين المتطرف؛ كما دُعي سكان ثالث مدينة في مقاطعة ساكسونيا، عبر مواقع التواصل الاجتماعي إلى المشاركة في «تظاهرة عبر النوافذ» تحت الشعار نفسه وذلك من خلال تعليق رسائل تسامح على شرفاتهم.
إن هذا الموضوع، رغم ما يبوح به المسؤولون من نوايا إيجابية، كان ولا يزال تربة خصبة تنمو عليها سياسات صناع المرشحين السياسيين والانتخابات الرئاسية والتشريعية والمحلية؛ ويكفي الرجوع إلى حمى الانتخابات الرئاسية الأخيرة في ألمانيا للاقتناع بذلك، ولا يمر يوم واحد في ألمانيا وأوروبا دون أن تسمع أو تقرأ في وسائل الإعلام المختلفة عن تساؤلات لا منتهية عن مدى قابلية تعايش الإسلام مع الديمقراطيات الأوروبية، وعن المكانة التي يجب منحها للمسلمين داخل المجتمعات، وعن مشكلة استقرار المسلمين بشكل دائم في تلكم الدول، وهل يجب أن يتمتعوا بالحقوق والواجبات نفسها التي يتميع بها الأوروبيون... إلى غير ذلك. ولكن الداهية العظمى والمصيبة الآزفة هي تلكم الصور النمطية والخطيرة التي تترسخ في الأذهان والسلوكات الغربية موازاة مع العمليات الإرهابية التي اقترفت سواء من أبناء الجيل الثالث أو من الوافدين المهاجرين الجدد، لتحمل كل الأحزاب في مشاريعها الانتخابية قواعد أصبحت يومًا بعد يوم ثابتة من قبيل كره الأجانب وبالأخص المسلمين منهم، وضرورة تحصين المجتمعات من تواجدهم.
لا يمكن تجاهل التراكمات التاريخية المغذية للمشاعر الوطنية والتي تتجاوز حدود ألمانيا لتشمل جل الدول الأوروبية، ولكن الذي بدأ يقع اليوم هو وصول صفوة من الحكام إلى كراسي أخذ القرار دون أن يكون لهم باع في السياسة أو تجربة تاريخية تجعلهم يفرقون بين الدعايات الحزبية السياسية وما يجب أخذه من قرار للمحافظة على توازن المجتمع داخل الدولة...