أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري
قال أبو عبدالرحمن: وجدت في كتاب (تكملة المعاجم العربية) لـ(رينهارت دوزي) النقل عن معجم (بوشر)؛ وقد عرف الدكتور (محمد سليم النعيمي) مترجم تكملة (دوزي) بـ(بوشر) في مقدمته 1/ 22؛ فقال: (إنه وجد معجما فرنسيا) هو أكبر المعاجم [؛يعني الخواجية] ألفه (اليوسي بوشر) المصري سنة 1852 ميلاديا، وأنه موجود بمكتبة (ميونيخ)؛ و(بوشر) ينقل عن معجم الأب (يدرودى الكالا) الذي طبعه في غرناطة عام 1505 ميلاديا؛ وقد ذكر (دوزي) في مقدمته ص21: أنه يريد به تيسير ردة المسلمين إلى النصرانية بعد الاستيلاإ على مدينتهم؛ وهو معجم عربي بحروف قشتالية؛ وذكر (دوزي) في مقدمته ص 57 - 59 كلمات مشكوك في صحتها.
قال أبو عبدالرحمن: أعلم يقينا: أن غير الصحيح يقينا ما في مادة (الفكر)؛ فقد طعن في مؤلفه، وسبه؛ فمعنى التذكر صحيح، وما عدا ذلك فليس معنى للمادة عند العرب، بل هو معان زائدة على نتيجة التذكر؛ وهي معان غير حتمية؛ فقد يذكر ماضيه ويمدحه ويلتذ به، ووصف الكالا تلك المعاني [؛أي الفكرة] بأنها خيال وقلق ووهم وانشغال بال، وقال: وقد كذب على العرب، وعلى الواقع في ذلك؛ فالفكرة ما انتهى إليه الفكر صوابا أو خطأ من الأشياء الواقعية، والخيال فكرة من أنواع الفكر بفتح الكاف؛ وهي لا تكون إلا بنظر الفكر في أجزاإ من الواقع؛ لإيجاد صورة متخيلة التركيب، ولا قدرة للعقل على التخيل إلا من أجزاإ الواقع؛ لبلوغ الغاية في تصوير الحسن، أو تصوير القبح كالدمامة أو البشاعة كما نجد في الكاريكاتير بالصحافة، ولقد رأيت صورة لـ(كافكا) بآذان حمار؛ والقلق وانشغال البال ليس معنى للفكرة، ولكنه حالة قد تعرض للمفكر حال تفكيره؛ فيوصف بها، وليست حتمية ؛ فقد يكون في غاية الارتياح والانسجام مع تفكيره، وما أراد (كالا) النذل إلا وضع لبنات الحسبانية في حجب النتائج الخيرة من حصيلة التفكير الذي أمرت به الأديان؛ لتغييب الحقائق عن المؤمنين؛ وهكذا وصف في موضع آخر التفكير الخيالي؛ فقال إنه: تفكير الشر، المرتاب الظنون (بالظاء المعجمة المفتوحة المشددة والنون المضمومة) الحذر المحترس؛ فبربكم كيف يرتفع الارتياب بغير تفكير؟.
قال أبوعبدالرحمن: معاجم الخواجات لا تكون استدراكا على معاجم العرب إلا ما كان نقلا أمينا عن مصادر عربية من استعمال فصيح غير عامي لم يرد في متون كتب اللغة؛ لأننا لا نتلقى لغتنا من ترجمة الخواجات الأعاجم ؛ ففيهم من ساأ فهمه، أو ساأ قصده، أو ساأت ترجمته في صحة الأداإ.. ولابد من الجذر الثنائي؛ فالكرف هو مبالغة الحصان في شم عورة الفرس استعدادا للسفاد، ثم أضافت العامة الـكرف إلى بلوغ الغاية في الجـماع، ثم استعارته أيضا لبلوغ الغاية في خدمة العمال، واستهلاك جهدهم في العمل؛ فيقال: (فلان يكرف عماله).. وعكس ذلك الركف ؛ فقد أهمله (الليث)؛ وليس بحجة، وقال شمر: (ارتكف الثلج إذا وقع فتيتا على الأرض )؛ فهذا بلغ الغاية في انحلاله منذ وصوله إلى الأرض، والعامة تقول: (ركفت فلانا) بمعنى بلغت الغاية في إفحامه بالتعنيت، والتعنيف عليه.. وكفر بمعنى بلغ الغاية في إخفاء الحق وجحده.. وفرك بلغ الغاية بأصابعه في تفتيت شيىء، أو تنعيمه، أو إظهاره وإزالة ما علق به؛ وهذه المقارنات هي نظرية الثنائية في اللغة، أو الجذر الثنائي.. ونقل (الراغب الأصفهاني) رحمه الله تعالى عن بعض الأدباإ أن (الفكر) هو مقلوب (الفرك)؛ وليس هذا بصحيح، بل هو دعوى على لغة العرب بلا برهان؛ بل الصواب أن الفكر والرفك من حروف جذرية واحدة تدل مجتمعة على بلوغ الغاية في امتحان الشيء؛ فالفكر إذن هو بلوغ الغاية في فحص ما هو موضوع نظره من كل وجوهه، وبلوغ الغاية في لم شتات أحواله علاقات وفروقا ، وبلوغ الغاية في استخراج أحكامه.. والتذكر مرادف التفكر لا من جهة المطابقة، ولكن من جهة جزئية من جزئيات عمل المتفكر؛ وفي السبت القادم القادم إن شاأ الله سبحانه وتعالى أتناول بقية هذه المسألة، والله المستعان .