د. خيرية السقاف
يعود بعضٌ ممن يعنَوْن بالشأن التعليمي/ التربوي إلى مناهج التعليم في العقود الماضية, ويقفون عند شمولها لمواد «السلوك», و»التهذيب»، و»الأخلاق», وما لا تتضمنه المدارس القائمة, فيتأسُّون عليها, ويرغبون في تضمينها في قائمة مقررات مواد التعليم والتعلم الراهنة,
ويسألونها في التحديث الذي ينبغي أن يطرأ في خطط التعليم, ومحتوى مقرراته, وأنشطته, ومؤثراته المباشرة, وغير المباشرة..
وأجد من خلال تجربتي في الكتابة عن الشأن التعليمي, والتربوي بأن مؤسسة التعليم لا تلقي بالاً لما يُكتب, ولا لما يضمخه الكتَّاب فيما ينشرون من حبر عيونهم, يدلقون فيه دواة أفكارهم فيما يكون من اختصاصهم, ومجال تنفيذهم, أو آرائهم، وإلا لو فعلت هذه المؤسسة وأخذ مسؤولوها, وأعضاء لجانهم, بالتفاعل المجدي مع ما يكتب لهم من أفكار, ويقدم بين أيديهم من آراء, وجعلوه مادة لخططهم, وموضوعات لإضافاتهم, وإضافة لأبنية مناهجهم, وسواها, لأفادوا التعليم بما يأخذ به نحوًا بعيدًا للتوافق مع حاجة الدارسين, بوصف هؤلاء العناصر البشرية الذين نصت سياسة تعليم الدولة الرسمية بأن على هذه المؤسسة أن تضخ للمجتمع بهم فاعلين, مؤهلين, مكتنزي الخبرة, والميزان, والشخصية الفاعلة, ولحققوا لحاجة المتعلمين في مدارسهم ما يتضافر مع مؤسسة تنشئتهم الأسرية تعاونًا نظيرًا, لاسيما أن أكثر من يقدِّم لهم الأفكار هم من المختصين, وذوي الخبرات, وممن مارس التعليم, أو من بناة الأفكار, أو ممن عركتهم تجارب التنشئة, وتربية النشء, وكذلك ممن عرف تلك الخطوط المتينة بين التعليم والتربية, وبين مكونات السلوك الفردي, ولبنات الأسس الأولى فيهما معًا!!..
إن من يقول: إن المدرسة هي للتعليم فقط يجحف كثيرًا بالحقيقة, كمن يقول: إن المنزل للتنشئة فقط, كلاهما يتبنيان رأيًا غير واقعي, بينما الواقع هو أن النشء بين هنا وهناك يمضون جلَّ عمرهم, ومحكات تجاربهم, ومصادر تلقيهم, حتى إذا ما خرجوا لمعترك الحياة أتوا بغراسهما معًا, بتلك البذور التي يُطعمان بها تربةَ عقولهم, ومكنونَ وجدانهم, ومحتوى نفوسهم, ما يفضي في النهاية إلى نمط سلوكهم الفكري, والأخلاقي, والوجداني, ما يعكس مكوناتهم وفيها المعرفة, والقيم, والأفكار, والمبادئ جنبًا مع جنب مع أي خبرات أخرى, فبيئة المدرسة ستمتد لبيئة العمل, فلميدان الحياة العامة, وهناك سيتبدَّى المرءُ فرداً بمكنونه, بمخرجات هذا المضمون المكتسب عنهما, الرافد للذاتي منه, وإن جاء بصوت, أو إشارة, أو عبارة..
قلت كثيرًا, وأكرر على مدى عقود: اجعلوا في المدارس للتعليم مقررًا خاصًا عن أخلاق محمد بن عبدالله عليه الصلاة والسلام, الذي شهد له ربه العظيم في محكم آيات كتابه الإمام بعظمتها, يوضع على مراحل تشمل جميع جوانب سلوكه -صلى الله عليه وسلم - وتعامله, وعبادته, وخصائصه, ومواطن إرشاده, ومواقف تربيته للناس, وتوجيهه للصغار والكبار, وقواعد التعامل التي وجه إليها, ومنازل القبول لديه مع الآخر, وتوافقه, وشدته, إنه القدوة, بما في ذلك نهج عبادته, وسلوكه فيها, هذا القدوة الذي لا يرقى لأخلاقه وسلوكه بشر بين أيدينا أن نقتدي به, ونزرع في عناصرنا البشرية خلقه بدءًا, وانتهاءً, فما نهج نهْجه البشر إلا فلح, وارتقى, فترتقي الحياة, وتطيب بهم مسالكها, وأماكنها, والتعايش فيها,
فقد فُرغت مناهج التعليم من محتوى عنه صلى الله عليه وسلم، يجعلها مادة تربية وتعليم معًا..
فالمدرسة بوتقة التعليم والتعلم, والأخذ والعطاء, والتربية والتنشئة, مع البيت في الاكتساب, والبناء.