د.خالد بن صالح المنيف
حكى الأديب عبدالوهاب قصة له وهو على في الصف الثالث أرويها (بتصرف) يقول: فقد كان لدينا معلم غريب الأطوار عجيب التصرفات وكان يسرف في النيل من طلاب من صفي 3 /1 وهو الصف الذي انتمي له، وكان الأستاذ لايألوا جهدا في الانتقاص منا والتقليل من شأننا وكان كثيرا، وصور صفنا على أنه ينبوع الجهل ومنجم الغباء ومأوى البلهاء ومسرح الحمقى وطلابه غاية في سوء السلوك وقبح التصرفات وضعف التربية،أما صف 3 /2 ذلك الصف الأفلاطوني وفي اللحظة التي كان طلاب صفنا يتشاجرون ويصرخون ويتخاصمون كان يصف حالهم بأنهم يستعدون بعد نهاية كل حصة للحصة التي تليها بحماس لها فيخرجون الكتب ويشرعون في القراءة استعدادا للدرس وهم إن أرادوا الخروج في نهاية اليوم انتظموا في طابور ثم يودع كل منهم الآخر بحرارة وحب وأمنيات صادقة بيوم سعيد في ظل والديه! فقد كان كثير الثناء وشديد الإعجاب بصف ثالثة/ثاني ينشر فضائلهم ويشكر فعلهم ويذكر محاسنهم فهمتهم عالية وعزمهم كبير تجري في شريانهم انضباط اليابانيين وقوة الألمان وذكاء المخترعين! يقول الأديب مع هذا الزخم من المعلم ثناء عليهم ونقدا لنا تخيلت أن طلاب 3 /2 ليسوا بشرا مثلنا بل هم من جنس الملائكة المنزهين لا عيب ولانقص فهكذا نفث الأستاذ في روعنا وصور لناظرنا، يقول وكنت أتساءل عن الحكمة الإلهية في كون ربي خلقنا وزملائي طلاب صف 3 /1 من النوع المنحط الدنيء وعكسنا 3 /2 من النوع الراقي المبدع! وبقيت أفكر كثيرا وأعيتني الحيلة في تلمس الحكمة في ذلك!
إلى أن جاء يوم انقطعت فيه عن الدراسة لوعكة صحية، ثم عدت إليها وقد أحضرت معي عذرا طبيا وفي منتصف اليوم الدراسي استدعيت لمكتب الناظر لتقديم الأوراق وفي طريقي مررت صدفة على صف 3 /2 وكان الباب مفتوحا فلم أقاوم رغبتي الجارفة في رؤية هولاء الطلاب العظماء وأن اقتبس شيئا منهم لعل حالي يستقيم! دخلت وهالني ما رأيت! فقد كان الفصل ساحة حرب وهرج شيطاني رفس وضرب ولكم وسباب وشتم! وسمعت مدرس فصلنا وهو يشكو للناظر سوء سلوك الملائكة! وكيف أن تصرفاتهم أنهكته والحيل أعيته! وقد دافع عن نفسه عندما اتهمه الناظر بسوء التدبير وضعف السيطرة, فأنكر ذلك مستشهدا بتميز وشطارة طلاب 3 /1!
يقول الأديب الكبير وبعد هذا الموقف تمزق قناع الوهم وتهاوت صروح وأدركت أنه لا يوجد في الحياة صف 3 /2!
وأقول: ومن هذا الأمر أنه أحيانا يظن بعض الأزواج أن زوجة صديقه ملاك كلها طهر، إدارة منزل وحسن تعامل ورقة طبع وجودة عقل وبعض النساء تعتقد أن سين من الرجال قد جمع صفات الرجولة وسمات الكرم، كرم ولطف وتقدير!
وكذلك ما نظنه عن بعض المجتمعات في كونها على أعلى مقاييس الانسجام والانضباط والتآلف ثم تظهر الحقيقة في وجود نقاط ضعف وتشتت وعدم التزام، وربما نعتقد أن البعض يعيش حياة خمس نجوم لا كذر ولا وجع ولا مشاكل ولاهموم ونعتقد أن كل أموره ميسرة وأحواله مسددة وأهدافه محققة ولاينقصه شيء في الحياة فكل ما يشتهيه يأتيه وكل ما يتمناه يدركه ثم تتجلى الأمور على كائن قد فاضت الهموم على روحه وطال ليله!
لا تشقي نفسك وتهدر حياتك بالتحسر على أنك لم تكن طالبا في صف 3 /2!
ارض بما وهبك الله ولا تمد العين ولا تجزم بشقائك وسعادة كل من حولك، اكبح جماح نفسك نحو التطلع للمفقود وتجاهل الموجود، ولكي يأمن سربك وتسكن روحك استمتع بما تملك وابذل جهدك في عملك ودع المستقبل لما تقضي إرادة الله به، فلا السعداء سعداء بنفس القدر الذي نغبطهم عليه!
ولا الناجحون ناجحون بنفس المستوى الذي نتمناه لأنفسنا! ولاحتى التعساء تعساء بالقدر الذي نشفق عليهم معه!
وللأسف أن مشكلة البعض ليست في خلو حياته من أسباب السعادة في تلك العين التي مدت للآخرين وفي الوهم الكبير في عقله في كون كل من حوله أحسن حال منه وأكثر حظا منه وأعظم سعادة منه لذا فهم يتعذبون عن طريق تجاهل ما لديهم وعن طريق الأمل الكبير في أن يكونوا أشد سعادة ممن حولهم! وتذكر أنه لا وجود لصف 3 /2