الماضي مصنع الحاضر، وهو طريق الوصول إليه، بغض النظر عن لمعان هذا الحاضر أو انطفائه؛ فدائما يستشهد من صعدوا سلم المجد وكذلك من تعثروا دون ذلك بالماضي وتأثيره على حياتهم. فأطفال اليوم هم قادة الغد، والحاضر سيكون ماضيهم، هم الآن في «مصنع الشخصيات»، تُرسم صفحات ماضيهم الذي سيمتد معهم للمستقبل، في هذا المصنع تلون ممرات ذاكرتهم بما يفعل ويقول المربي.
التربية كما قال بعض العلماء تبدأ منذ الولادة، بل راح بعض التربويين المسلمين لأبعد من ذلك بتفسيرٍ عميقٍ للآية: {يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا} أن البداية عند اختيار الزوجة، فمنبتها سيؤثر بقوة على الأبناء، فلا يشك أحدٌ أن الطفولة هي مرحلة بناء قصيرة سيمتد أثرها لبقية الحياة. عندما تحاكي الطفلة طريقة والدتها بالكلام أو اللباس، وعندما يشجع الطفل فريق والده المفضل، عندما يعود الطفل من المدرسة ممتلئاً بالفرح لأن المعلم أثنى عليه أمام زملائه، كل هذه إشارات من الطفل تقول: «احذر..! فأنا قالبٌ بين يديك، وأنت مصدر الثقة والصدق والأمان» ولو استشعرناها بعمق لراقبنا أنفسنا أشد رقابة؛ كي لا نحطمهم بعدم وعينا، وأيضًا لنصنع شخصياتهم على أفضل شكل، يعينهم على معترك الحياة.
عندما نفل شريط ذاكرة الأطفال سنندهش من تلك المواقف والكلمات التي لم نشعر بحجم تأثيرها على شخصياتهم، وبقائها في ذاكرتهم لآخر العمر، فالطفل لا ينسى:
1- مواقف الرعب أو الأمان التي نشعره بها.
2- منحه الحب والاهتمام.
3- علاقة الوالدين ببعضهما.
4- كلمات الدعم أو الهدم التي نقولها له.
5-العادات التي يمارسها الوالدان وكذلك المعلمون.
مادام الأطفال لا ينسون كل ذلك فيجب منهحهم الحب الدائم بلا شروط، والقرب لهم ودعمهم بالكلمات الإيجابية والمواقف وقبل ذلك رقابتنا لكل ما يصدر منا. فالتربية تحتاج لإيجابية، فهي ليست عطفًا وحنانًا مطلقًا، لأننا أحيانًا كثيرة يجب أن نهمل العاطفة ونتبع المنطق والعقل في التربية.
أيها المربي أنت «مصنع الذكريات» و»مبتكر الشخصيات»، وما دام الحاضر سيكون ماضيًا لهم، فلتقتنص كل لحظة لصنع أجمل الذكريات التي تدعمهم وتقوي شخصياتهم وتملأهم إيجابية.
** **
- جامعة سنترال فلوريدا