فهد بن جليد
إجابة العديد من الأصدقاء الذين قضوا إجازتهم الصيفية خارج البلاد مع عائلاتهم كانت مُتشابهة تقريباً؟ الأب في لحظة ما يشعر بأنَّه مُجرَّد (صراف آلي) مُتحرك في السفر، دوره ينحصر تقريباً في تزويد مُرافقيه بالمال عند الحاجة (للتسوق، المطاعم، الملاهي، الترفيه.. إلخ)، الأذكياء من - عيِّنة أصدقائي - حدَّدوا لهم رحلة أخرى خاصة للترفيه والتمدُّد لاحقاً، ولعبوا دورهم الأبوي هنا بإتقان، إرضاء للضمير العائلي تارة، وفسحة للأولاد تارة أخرى، بينما - الأقل حظاً - هم كذلك بالفعل، هرَبت منهم لحظة المُتعة وفقدوها، ولم يجنوا من سفرهم إلا النَّصَب والتعب، والمُعضِّلة الأخرى أنَّ عودة العائلة من الإجازة تعني لهم عودة (دوامة المصاريف) من جديد، ولعب ذات الدور في السفر والحضر!.
كثير من الآباء لم يعودوا يعيشون لأنفسهم اليوم، لأنَّهم يشعرون بقلق دائم ومسؤولية كبيرة ومُستمرة تجاه مُستقبل أبنائهم وبناتهم وهم يكبرون تحت ناظريهم، في حياة تزداد تعقيداً يوماً بعد آخر، يُطبِّقون مقولة يعيش (لعياله وأهله) بكل حذافيرها، بالسعي لتلبية مُتطلبات الأسرة والعائلة، فالأب لا يشتري لنفسه ملبساً ولا مركباً ولا يشتهي مأكلاً، بينما هو يُحاول أن يُحقق لأولاده كل ما سبق، ويحسبُ لكل مرحلة عمرية حسابها عندما يكبر الأبناء والبنات - بكبد أو بوفره - مع يُسر الحال أو عسره، رغم أنَّ هذا الأب في مرحلة الشباب والصبا كان يحلم بالكثير وينتظر لحظة (توفر المال وحرية القرار) ليستمتع ويُحقِّق أحلامه وأمنياته، التي تتلاشى أمام ناظريه في كل مرَّة يتراجع فيها لصالح حاجة الأولاد والمنزل، في مشهد يدعو للحزن والفرح في ذات الوقت, لأنَّه يحملُ أجمل قيَّم الإيثار والإنَّكار, وأكثر صور السراب ألماً.
قد نختلف في قراءة المشهد, ولكنَّ الأكيد أنَّ هناك في كل أسرة (وَتَد), يرمي عليه أفرادها حملهم واحتياجاتهم ومُتطلباتهم، بل ويحمِّلونه مسؤولية إخفاقهم، وإيجاد الحلول والإمكانات لتجاوز كل الصعوبات والعثرات التي تعتري طريق نجاحهم، في علم البناء (الوَتَد) مهما كان صلباً وقوياً وسميكاً، فإنَّه مُعرض للانحناء والانبعاج والانكسار، إذا لم يتم الاهتمام به وتحميله أكثر من طاقته.
وعلى دروب الخير نلتقي.