مها محمد الشريف
لقد دخلت إيران سنوات المتاهة، وخاصة بعد أن سلكت الطرق إلى العراق وسوريا بدعم دولي، لتكون إيران مشروع الحرب في المنطقة ومحطة إستراتيجية تحط عليها كل المتناقضات الأمريكية والروسية، حيث لازالت الكيانات السياسية الغربية تعيش المواجهة والتردد في آن واحد، وتتشكل وفقاً للصراعات والمصالح..
ومع الاضطرابات الداخلية فقد النظام الإيراني شعبيته في الداخل وفي حالة انفجار تعترض على الأدوار التي تكشف للعموم الكذب والزيف فتولد لدى الشعب الانفلات وعدم السيطرة عليه بعد تصاعد وتيرة الاحتجاجات التي اندلعت بالفعل في معظم المدن الرئيسية، إثر التدهور الاقتصادي، وارتفاع نسبة التضخم ونقص الطاقة الكهربائية، إضافة إلى تغيير عام في وظائف الدولة تتصادم مع مصالح الشعب فأصبحت الأمور مختلطة يميناً ويساراً، واستشرى الفساد في أجهزة ومؤسسات الدولة.
قد يتساءل المرء بعد الهجوم على مقر الحشد الشعبي ومقر القنصلية الإيرانية في البصرة وإضرام النيران فيها تكون هذه الاحتجاجات العراقية سبباً كافياً لإيهام الإيرانيين بأنها الحرب ضد العراق، ولكن هل سيستمر خامنئي في ذات الخدع القديمة التي استخدمها الخميني لإنقاذ نفسه من تصاعد الاضطرابات الشعبية، فقد كانت الحرب مع العراق 1980، سعى إليها كبيرهم لجعل الشعب الإيراني يتخطى الاستياء العميق من استيلاء رجال الدين على السلطة في أوائل عام 1979.
إن ابتكار الأسباب من سياسي طهران لتبرير ما يفعلونه لم يعد يجدي بتجييش الشعوب وحشدها ضد أمريكا أو العراق أو أي بلد آخر، فعندما تنعكس الحالة إلى ضدها تجد أن كثيراً من الجماهير لن تكون قادرة على تحمل الالتباس والشكوك مرة أخرى، وخاصة في عالم من التهديدات والمصالح لن تكون الخيانة كسابق عهدها فقد أصبحت اللعبة المزدوجة مكشوفة.
في واقع الأمر حلت بالأمم أزمات متتالية لا يمكن للبشر أن يصدقوها وتصرفوا بشكل يتسق مع الفهم المناسب لهذه الأزمات، لذلك تمادوا في سحق بعضهم بعضا بلا رحمة نتيجة لهذا الطغيان الذي تمارسه أنظمتها، وبقيت أجزاؤها من ثقافة الماضي تفرض حروبها وانشقاقاتها وتجيش مشاعر شعوبها بالدين والعرق وتقمع عقولهم بالثورات ، حتى انقلب السحر على الساحر ورفع الإيرانيون أصواتهم المنددة بهيمنة الحكومة وسوداوية مستقبلهم بشعارات الموت لخامنئي.
لاشك أن الحرب الاقتصادية الأمريكية تساعد على فشل النظام الإيراني في الداخل، فليس هناك أي فرصة لهذا النظام إلا الخنوع للعقوبات الأمريكية بعد تهاوي قيمة العملة المحلية أمام الدولار الأمريكي حتى وإن وجد طريقا لتسويق نفطه بحضور داعمين له، فلن تستمر المراهنة على الخاسر في هذه الحرب ولن تستجيب له العديد من الدول ومنها على سبيل المثال الهند التي أوقفت استيراد النفط وهي أكبر مشتر للنفط الإيراني بما يقدر يوميا مليون برميل تحسباً للعقوبات الأمريكية بعد إعلانها، فهل هناك المزيد من العقوبات الأمريكية بعد أن أوشكت إيران على الغرق؟؟