رمضان جريدي العنزي
الريح مهما أشتدت، ومهما كانت قوية وعاتية، وسرعتها فائقة، فلن تحدث في الجبال الكبيرة الراسية الصلدة والصلبة أي تأثير أو خدش أو انكسار أو عطب، لكنها في المقابل تقتلع الأشجار الواهنة الضعيفة، وتعصف بها، تكسر أغصانها، وتجردها من أوراقها وبراعمها. إن الدول الكبيرة ذات الإرث والتاريخ والسيادة والرجال والأفعال والأطناب الضاربة في الجذور، لن تهزها ثلة مارقة، أو مجموعة متباينة في الفكر والمغزى والهدف والاتجاة، ومتشردة على الأرصفة الباردة في الدول النائية، تتسول قوتها بذل لإشباع بطونها الجائعة من جيوب الدول والمنظمات والأحزاب العدائية الدافعة، متبارين بشكل ماراثوني مذل في خدمتهم وطاعتهم العمياء، ديدنهم الكذب والخداع والتشويش والتدليس والتضليل في الحقائق وتشويه الأفعال، منبطحين تماماً لهم، بعد أن باعوا لهم ضمائرهم، وشربوا معهم في أقداح الخسة والدناءة. يجيدون الهرطقة والتزويق، وبعثرة الأشياء الجميلة، مارقون يحاولون أن يحدثوا لأنفسهم شيئاً مهماً من غير شيء، مثل ذلك الأحمق الهزيل الذي ينطح برأسة جدارًا سميكًا. هم ثغرة الخيانة والغدر، وبلاء الأمة، وجوههم كريهة، وأنيابهم كالحة، يلقون حبائلهم في الدهاليز المعتمة، أهل بدع وضلال وأهواء وشطحات، ألسنتهم حلوة، وقلوبهم أشد من السواد، مردوا على الرياء والنفاق، البغضاء تبدو من أفواههم، وتستوطن في أرواحهم، وما تخفي صدورهم أعظم وأجل وأكبر. إن هؤلاء - قبحهم الله - أعداء واضحون لنا كوضوح الشمس في رابعة النهار، مثل شياطين حمر لا يستكينون، عملاء لكل عدو لنا، يتظاهرون بالإصلاح والإصلاح منهم بريء، يهدمون الوطنية ومن ثم يتباكون عليها، يمزقونها ومن ثم يدعون لملمتها وإصلاحها، متنافرون في القول والفعل والعمل. لهم من القبائح والفضائح ما يزكم الأنوف، ويصيب الجسد بالسقم والعلة، هم مثل طحلب نتن، وبئر مهجور، وضرع جاف، وجيفة، وكالسرطان الذي يسري بالجسد، يسلب الصحة والراحة والهناء والحبور. يتلذذون بالكذب والافتراء على الناس، ويؤلفون المسرحيات الباهتة، والقصص الكاذبة، ويجيدون الكلام الأصفر القبيح، مرتزقة، نصوصهم معطوبهم، وعيونهم عليها غشاوة، ثقافتهم فتنة، وآرائهم بليدة، وألسنتهم عامرة بالبذاءة والنتانة، أقوالهم أحاجي، وأطروحاتهم لاهية، يتباهون بالقدح والهمز واللمز ويبيعون ضمائرهم ومواقفهم في سوق النخاسة الرخيص. مجذومون ويعيشون الغيبوبة الدائمة، صدورهم ضيقة، ونرهم لا يتعدى موطأ أقدامهم، في دمائهم تغلي بالهرطقة، وهرطقتهم أكثر مما ينبغي، نزعاتهم للشر قوية، ويتلذذون للخراب وينادون عليه، أحلامهم كبيرة، لكن خيباتهم أعظم وأجل، يحاولون اصطناع الأشياء من عدم، ويتبارون بينهم بقوة في ذلك، دعاة للدمار والتشتت والظمأ، لا يحبون الحياة الهانئة المطمئنة، ويمقتون الرخاء، النار في نفوسهم متأججة بالحقد والحسد والبغضاء، ينفثون أحقادهم عند طلوع الشمس، وعند غروبها. لكن التاريخ لن يرحم هؤلاء على خياناتهم وإدعاءاتهم وبهتهم، والأمة لن تسامحهم، والجيل القادم سيلعنهم على ما اقترفوه من سيئ القول والعمل، وعلى ما أشاعوا وأذاعوا، ونظروا وأطروا وقالوا، وستكون براميل النفايات الصدئة أولى بهم أحق وأجدر. وعلينا جميعاً وحفاظاً على وطننا الكبير ذي اللحمة الفريدة، والفسيفساء العجيبة، أن نقف في وجوه هؤلاء المقيتين بكل قوة واقتدار وشجاعة، بعيداً عن الخوف والخور والتردد والوهن، لقد تضافروا ضدنا، وعلينا وجوبًا أن نتضافر ضدهم، ولا سيما نحن الأقوى والأحق والأجدر، وأصحاب الحق والثبات.