عبدالعزيز السماري
كان التفسير الديني في قرون خلت حصان طرواده الذي يصل الناس من خلاله إلى أهدافهم ومصالحهم، وقد كان ولازال يُستخدم على نطاق واسع في مختلف دول العالم لجمع الأموال، وقدنجح بالفعل بعض المحتالين في جمع ثروات خيالية من وصفات أسطورية لعلاج مختلف الأمراض، وكان الأمل أن يحل العلم والمنهج العلمي محل هذه العلاقة غير الشرعية بين التفسير الديني وإقتصاد الظل، لكنه وقع في نفس المطب.
فالمنهج العلمي الحالي يحيط به ساحة سياسية وأطماع إقتصادية أكثر وضوحًا من قبل، وهدفها السيطرة والمال، وتدور في فلك بعض مؤسسات الأبحاث العلمية ميزانيات ضخمة، بينما تعاني المراكز المستقلة في البحث العلمي من الشح المادي والدعم اللوجستي، كان آخرها على سبيل المثال أبحاث مرض الزهايمر،إذ تقدر ميزانية أبحاثه في المؤسسات العلمية الرسمية في الولايات المتحدة الأمريكية بملياري دولار، ولم يصلون برغم من ذلك إلى نتيجة، بينما يشير البحث العلمي المستقل برغم من ضآلة ميزانيته إلى أن الأبحاث المستقلة تشير إلى أن المرض نتيجة للإصابة بجرثومة معدية، ومن الممكن علاجها بأدوية في متناول اليد، ولازالت تلك الأوساط تتجاهل هذه الإشارات القوية منذ عقدين من الزمان.
لإعتبارات دينية غير واضحة أيضاً أنشأ الرئيس جورج دبليو بوش مجلس الرئيس حول أخلاقيات البيولوجيا، وحاصر بشدة أبحاث الخلايا الجذعية، بينما قام باراك أوباما بحل المجموعة ورفع تلك القيود، وحدث ذلك في مدة لا تتجاوز عشر سنوات، وبرغم من ذلك لازالت المؤسسات العلمية المسيسة إلى اليوم تحاصر أبحاث استخدامات الخلايا الجذعية على الرغم من إشارات قوية على نجاحها في بعض الأمراض، وهو ما يعني أن العلم المدعوم ليس مستقلاً، ولكن تحول إلى إداة سياسية واقتصادية، هدفها الأول جمع الأموال من بيع الأدوية بأغلى الأثمان على بقية العالم.، إذ تقدر قيمة الحبة الواحدة لعلاج الفيروس الكبدي سي بألف دولار!
هل تم تدجين العلم؟، وأصبح التعامل معه بهذه الطريقة سياسات مألوفة ومتعارف عليها، وقد وصل التأثير السياسي بالفعل إلى إنكار الحقائق العلمية بخطاب سياسي، فالإدارة الأمريكية الحالية قررت على سبيل المثال عدم الرغبة في سماع الحقائق التي لا تعجبهم، سواء فيما يتعلق بسلامة اللقاحات أو تغير المناخ، ووصف الرئيس الحالي تغير المناخ بأنه خدعة صينية، والتي من غير المرجح أن تساعد الناس في المناطق التي تعاني بالفعل من المد العالي أو الطقس الغريب على نحو متزايد.
وفي ذلك تكذيب بدون براهين علمية للتقارير العلمية المستقلة، بينما من المرجح أن يقود هذا التغيير الصراعات المستقبلية بين الدول، و يعني تحدي حقائق علم تغير المناخ إلى إنكار الواقع المشترك - الواقع الحقيقي، و الذي يقاس بمئات من العلماء المستقلين، وهو ما يشير إلى أن التاريخ يعود مرة أخرى، فمثلما أجبر السياسي مفسروا الدين على تقديمه لخدمة السياسة والمال، هاهو يقوم بنفس الدور، فالبحث العلمي المستقل لا يلقى الدعم المادي، وتنتهي نتائجه في طور النسيان أو الإهمال.
أخيراً أعتقد أنه من الإنصاف القول بأن العلم يجب أن تكون له استقلاليته التامة، وإذا تحكمت فيه السياسة وأطماع الإقتصاد التي تعمل من خلال أغراض أيدلوجيا السيطرة والقوة، فسيكون تطور العلم والحقائق العلمية هو الخاسر الأكبر، وسيؤدي ذلك إلى تأخر تقدم الحياة البشرية.