د. فوزية البكر
شكَّل السماح بقيادة السيارة منعطفًا كبيرًا في حياة النساء السعوديات حين أدركت النساء والأهالي أن الأمر منوط باختيارهن؛ فإن شئن انطلقن للقيادة، وإن أحسسن بأن الوقت لم يحن فيمكن التريث.. لكن الأكثر أهمية هو سقوط قناع منع المرأة الرسمي؛ لذا لن تجد الصحافة الغربية موضوعًا ماتعًا وغريبًا لقُرائها بعد اليوم مثل منع كائن إنساني من الحركة!
في ظل ذلك، ومنذ تاريخ 10/ 10، وذوو الاتجاهات المحافظة - وبعضها يمكن وصمه بالتطرف من رجال ونساء - يصفقون فرحًا؛ إذ يدندن كل منهم في دردشاته التوترية أو عبر مجموعات الواتس آب بأنه حتى اليوم لم يرَ امرأة واحدة تسوق سيارتها! مما يؤكد ما ذهبوا إليه دومًا من تأكيد الرفض الاجتماعي لقيادة المرأة الذي مثله قلة أو (ندرة) عدد السائقات في شوارع مدن كبيرة مثل الرياض.
وإحصائيًّا معهم كل الحق؛ فعدد النساء ممن يقدن سياراتهن في مدينة الرياض التي تجاوز سكانها حاجز ثمانية ملايين نسمة منذ عام 2016 لن يكون محسوسًا حتى لو وصل إلى الآلاف، فما بالك بمدينة ضخمة وغارقة في إصلاحات القطار القادم كالرياض لتقبل النساء كقائدات غير متمرسات.
مارست بنفسي قيادة السيارة في كثير من المدن الأمريكية، ثم في لندن نفسها خمس سنوات، وكانت القيادة متعة، وطريقًا للوصول إلى تحقيق هدف الرحلة، سواء كان إيصال طفل لمدرسته، أو الوصول إلى الجامعة أو نادٍ رياضي... إلخ، لكن مدينة مثل الرياض لا تبدو أبدًا صديقة لأي قائد، رجلاً كان أو امرأة، برعونة سائقيها، ولامبالاة مراهقيها، وانسداد طرقها بمن يعرف ومن لا يعرف القيادة من كل أنحاء العالم.. كل هذه العوامل جعلت الكثيرات يسعين للحصول على رخصة القيادة إما لإثبات حدث تاريخي مهم، أو للطوارئ، لكن القليلات امتلكن الشجاعة الكافية للاستغناء كليةً عن السائق.
شكَّل احتكار جامعة الأميرة نورة مدارس تعليم قيادة السيارة عاملاً إضافيًّا، أدى إلى تأخير حصول الآلاف من النساء على رخص القيادة؛ إذ لا يمكن النفاذ إلى قائمة الانتظار إلا بعد سنوات، ومع التسجيل الإلكتروني لا تسمع من أحد إلا إذا اقتحمت موقعهم بالحضور الشخصي، أو حاولت استخدام الحيل الرسمية والاجتماعية كافة للنفاذ! هذا عدا المبالغة في عدد الحصص المقررة (عشرين ساعة). هذا والتدريب في الحقيقة لا يحصل في عالم حقيقي، أي في الشارع والطرق السريعة.. كلا؛ إنه يحصل في حياض الشوارع الجانبية لجامعة الأميرة نورة، حيث لا مركبات، ولا زحام، ولا إشارات مرورية مكتظة، ولا صراخ وقحًا لسائق متعب، ولا مكان غاية في الصغر ليتسع لإيقاف السيارة... إلخ من التفاصيل اليومية التي يواجهها السائقون في الشارع الحقيقي. وهذه إحدى نقاط الضعف الحقيقية التي يجب أن ينتبه لها المسؤولون عن هذه القرارات المصيرية؛ إذ إن حياة الآلاف من الفتيات والزوجات والأمهات اللاتي لم يقدن مركبة من قبل مرهونة بلحظة التعلُّم هذه؛ إذ يتوقعن أن قيادة السيارة هي نزهة بسيطة في عالم هادئ ومهذب مثل الشوارع الداخلية لجامعة الأميرة نورة، في حين أن مهارة القيادة في شوارع مدينة مثل الرياض هي في حقيقتها تتلخص في الحكمة الآتية: (القدرة على تجنب الأخطاء القاتلة التي يرتكبها قائدو المركبات المحيطة بك). فكيف بك أن تتعلم الخبرات الفعلية للقيادة في ظل مشهد تمثيلي مثل مسرح شوارع الأميرة نورة؟ نستطيع أن نتفهم السبب قبل تاريخ 10/ 10، لكن الآن يُسمح للنساء بالقيادة في الشارع العام؛ لذا وجب تدريبهن في الشارع نفسه لتعلم مخاطره الحقيقية بدلاً من الاكتفاء بجعل المدرسة المذكورة ماكينة لصك النقود.
ولم يقف الأمر عند حد ضعف التدريب ومحدودية أعداد المدربات، بل مثَّل المبلغ المالي الضخم الذي تضطر النساء لدفعه للالتحاق بمدرسة القيادة الوحيدة الموجودة في مدينة الرياض حاجزًا كبيرًا (خلقه عنصر الندرة)؛ إذ تُجبر النساء على دفع مبلغ 2500 ريال مقارنة بالرجال الذين لا يدفعون أكثر من 400 ريال؟! هذا، ويضاف له بالطبع 400 ريال تدفعها المرأة للمرور لاستخراج الرخصة، فكيف لموظفة استقبال أو كاشيرة، تود أن تستقل بمواصلاتها فنكفيها شر دفع الآلاف لشركات التوصيل، أن تقدر على مبلغ كبير كهذا؟
قرار السماح للمرأة بقيادة السيارة كان - ولا يزال - حدثًا تاريخيًّا، سيُسجَّل لملكنا ولولي عهده الأمين، لكن ما يلي ذلك من تفاصيل، قد لا يعلمها إلا من يعانيها من أمثالنا من النساء، يستحق التفاتة صادقة من صانع القرار للتيسير على المرأة السعودية في كل مناطق المملكة للحصول على رخصة القيادة كرفيقها الرجل.