قبل يومَيْن قال لي ابن أخي الصغير «شكرًا يا عمو، (الراوتر) اللي جبته ممتاز»، قالها وهو يمسك بجهاز «الآي باد» الخاص به في حين أن عينيه لم تفارق شاشته.
أجزم تمامًا أن تكنولوجيا «العولمة» غزت بيوتنا عن آخرها، واحتلت كل جزئيات حياتنا، صغيرها وكبيرها، ووضعت كل أفراد العائلة في حالة إجبار على استخدامها. احتل الإنترنت بيوتنا وعقولنا بشكل لا مثيل له على الإطلاق، بل أصبح توفير قيمة اشتراك الإنترنت أهم بكثير من توفير قيمة بعض الكماليات، أو ربما بعض الأساسيات في المنزل. أصبح الإنترنت كما مأدبة طعام، فيها ما لذ وطاب من الأكلات والمقبلات، أو وسيلة للترفيه لقتل أوقات الفراغ في تعليقات ساذجة، أو إسقاطات سياسية، دينية، وربما طائفية أيضًا بين الأفراد والجماعات!
سابقًا كان الضيف - على سبيل المثال - يسأل صاحب الدار عن اتجاه القِبلة للصلاة، أما ضيف اليوم، وقبل أن يتناول «ضيافته» أو طعام الغذاء، فإنه يسأل أولاً عن شبكة الإنترنت اللاسلكية، ومن ثم يطلب كلمة السر الخاصة بالشبكة؛ كي يستطيع التواصل مع مواقع التواصل الاجتماعي؛ ليتعرف من خلالها على النشاطات والفعاليات اليومية المهمة لرواد هذه المواقع؛ إذ يتحفنا بعضهم بالصور التي ينقلها مباشرة من موقع الحدث.
حاليًا، معظم أفراد العائلة منشغلون بالهاتف المتنقل، وكأنهم يستعدون بشكل كامل للامتحانات النهائية. وإذا أردت أن تكشف مَن يمارس السهر ليلاً من أفراد العائلة فما عليك إلا أن توقف الإنترنت لبضع دقائق فقط حتى ترى «المتورطين» في هذا الأمر يخرجون تباعًا لاستطلاع الأمر!
هذا الإنترنت يمنح المستخدم الفرصة لكي يطالع الكثير من الآراء في الكثير من المجالات الاجتماعية، الدينية، السياسية والعلمية... إلخ حتى لو لم يكن خبيرًا بهذه المجالات. كما يمنح المجال للمستخدم ليكتب ما يشاء وقتما يشاء، وأن يشارك في أي مجال. ومن الغريب أنه يمكن أن تكون لك قاعدة جماهيرية لآرائك حتى وإن كانت هامشية، لا ترتقي حتى لمجرد النشر.
لستُ ضد الإنترنت بل إني أحد أكثر مستخدميه، ولست ضد التطور والتقدم العلمي، ولكني ضد استخدام هذه التكنولوجيا بهذه الكثرة المبالغ فيها مع أطفالنا، ومع تقنين الاستخدام في أوقات معينة حسب الحاجة.
ومضة:
بفضل «الراوتر» لم يعد لبوابة العقل «كلمة سر»!
** **
Amjad_fathi@hotmail.com