وقادت المرأة السعودية السيارة في شوارع المملكة بتاريخ 24 /6/ 2018 وتحرر المجتمع بطريقة ما من فكرة تقليدية حرمت بعض أفراد المجتمع من ممارسة أمر مباح سنين عددا وما أريد الحديث عنه في هذا المقال ليس عن ذات فكرة القيادة النسائية والسماح بها لأن الكثير تحدث عن ذلك ولكني سأتحدث عن فكرة دقيقة جدا في هذه القضية وهي تتجلى من خلال مجموعة من الأسئلة التي سأشارككم إياها وأولها: كم يا ترى من الأمور التي عطلت بسبب تحكم تقليد اجتماعي؟ وعندما أقول: (تقليد اجتماعي) لأني أتصور بأن كل أمر يخلو من مباشرة التحريم ويحتمل السعة فهو تقليد وليس دين الله وشتان ما بينهما إذ التقليد أمر مذموم وأما دين الله فهو حق مبين واجب الاتباع. وثاني الأسئلة: هل نحن بحاجة إلى مراجعة الفتاوى الدينية السابقة ليس لأننا فجأة اكتشفنا أنها على خطأ؛ كلا ولكن لأن الوعي المجتمعي تطور وانتقل إلى مستوى أعلى وبالتالي فالمجتمع بحاجة إلى ما يتناسب مع مرحلة وعيه الحالية خذ مثالا على ذلك السفر والإقامة في بلاد الغرب كان محرما لأنه وحسب الفتوى إقامة بين ظهور المشركين والآن هناك برنامج للدراسة بسنته الثالثة عشرة وجزء من هؤلاء الدارسين أولاد المدرسة الدينية (ذكورا وإناثا).
وثالث الأسئلة: ما هي يا ترى الأمور التي حُرِمَ منها المجتمع وهي تخضع لفكرة التقليد الاجتماعي؟ ورابعها: هل سنكون دائما معتمدين على القرار السياسي كي نتحرر من التقاليد الاجتماعية؟ نعم وإنه ما من شك أنه لولا إيمان الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- ثم تحرك ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في إنهاء التصارع في هذه القضية لطال زمان اختيار هذا الأسلوب في المجتمع.
وخامسها: هل لنا بأن تتحرك المؤسسة الدينية بمراجعة ما يحتمل السعة للناس فيجعلونه على سعته وأن لا تمارس محاولات التضييق بناء على تقاليد توارثناها وخذوا على سبيل المثال قضية سماع الأغاني التي ما زال حولها الصراع ما بين من يحرم وما بين من يحلل؛ وتأملوا في أنه لما كان القول بالتحريم هو الأعلى صوتا ابتكر المجتمع وسيلة أخرى وجعلها في إطار المشروع وهي ربما تكون أحق بالتحريم من الغناء وأقصد بذلك الشيلات وأصبحنا لا نستنكر مطلقا تشغيلها في حفلات تخرج أبنائنا من المدارس وفي المقابل لا تكاد تجد مدرسة تجرأ على وضع أغنية فيها قيمة حب للوطن أو تحمل رسالة سامية بلغة راقية.
وما أريد أن أصل إليه هو أن قيادة المرأة للسيارة أنموذجا جيدا للتأمل والتمعن في فصل ما هو تقليد اجتماعي عما هو دين حقيقي.
ثم إني أحب أن أشير إلى أن هذا التطور في مجتمعنا ليس شيئا غريبا ففي علم الاجتماع ندرك بأن ما في داخل الأفراد من نوايا وتوقعات وظنون وأفكار يكون في واقعهم المعاش ولذلك يرى عالم الاجتماع بورديو «بأن ما يحصل من تطابق وتجانس بين التنظيم الاجتماعي وديناميكيات العالم الخارجي والترتيبات المجسمة الداخلية للأفراد يكون عن طريق ما يسميه بالاستيعاب الخارجي بمعنى أن البشر أخذوا على مدار السنين باستيعاب أنواع من الأمور التي يحتاجون إلى معرفتها عن طريق بيئتها الخارجية الاجتماعية والمادية حتى يمكنها المشاركة بنجاح في مجالات معينة من ممارساتها الاجتماعية» وبالتالي لما تغير ما في داخل الفرد السعودي بدأ يستجيب لذلك واقعه الاجتماعي.