يأتون من كل مكان يحملون همومهم وذنوبهم ويرهقهم التفكير في عناء الطريق ووعثاء السفر، يحرصون على حساب خطواتهم بدقة خشية العقبات والمعوقات، لكنهم ما إن يدخلوا هذه البلاد حتى يجدوا الكثير يكفونهم العناء ويسعون لراحتهم وخدمتهم من الكبير إلى الصغير من الأمير إلى الخفير، يخدمونهم والسعادة تعلو محياهم وتغمر قلوبهم، فيسعد المسافرون بهذه الخدمات المشرفة وهذه الجهود المضنية فتزول عنهم الهموم ويتحول عناء السفر إلى رحلة عبادة لا يشغلهم عنها شيء لكثرة من يسهر ويعمل لراحتهم وخدمتهم، فيعودون يحملون الكثير عن بيت الله الحرام والكثير عن هذه البلاد التي تخدم بيت الله الحرام وزواره بأبنائها ومالها وتفاخر بذلك... ربما هذه باختصار قصة الحجاج.
أعمال كثيرة في الحج تستحق أن تكون عناوين لقصص فخر، منها «الأعمال التطوعية» التي يتسابق في ميدانها كل محبٍ لعمل الخير وكل من يستمتع ويتلذذ بخدمة البشر.
ربما أي متابع لموسم حج 1439هـ يشاهد صور الشباب والفتيات المتطوعين ويفرح بأعمالهم، وبالتأكيد شاهد على سبيل المثال: قصتين رائعتين لحب هذا البلاد وشبابه للعمل التطوعي وإخلاصهم فيه، كما تعلموا في وطنهم الذي ينعم بخير البعيد والقريب.
القصة الأولى: ذاك الشباب الذي لم يتوقف عند واجباته الوظيفية بل أنجزها وتجاوزها إلى العمل التطوعي بالوقوف شخصياً على كل ما من شأنه خدمة الحجاج القادمين من دولة العراق عبر منفذ جديدة عرعر وعددهم تجاوز 16 ألف حاج الذين وجدوه بينهم ومعهم يسعى لراحتهم وخدمتهم، رغم أنه أمير منطقة الحدود الشمالية الأمير فيصل بن خالد بن سلطان الذي لم يتوقف عند مرحلة الإشراف المكتبي على أعمال اللجان، بل كان بينها ومعها وكأنه متطوعٌ يخدم الحجاج.
والقصة الثانية: هو لشاب آخر ضرب أروع صور التفاني بالعمل كمتطوع، رغم أنه يعمل نائباً لأمير منطقة مكة المكرمة هو الأمير عبدالله بن بندر بن عبدالعزيز، فلم يقف عند حد أداء واجباته الوظيفية، بل تعداها ليكون كأي حاج يقف في كل مكان يقف فيه الحاج ويتابع بنفسه وميدانيّاً خدمة الحجاج في المشاعر المقدسة، تراه وسط الحجاج بلا أي ضجيج حتى تعتقد أن من يجلس بجانبه من الحجاج لا يعلم أنه بجانب نائب أمير مكة المكرمة، وربما لا يعلم أنه يجلس بجانبه ويسير معه لخدمته وراحته.
بكل صدق هذان المثالان يبعثان في الشباب روح العطاء وحب العمل، فهما وإن لم يريدا ذلك إلا أنهما مثال حي للشاب المتطوع وقدوة في العمل التطوعي.
هذا البلد المعطاء يؤمن بالعمل التطوعي ويعيشه واقعاً حقيقياً في مناسبات كثيرة، أهمها موسم الحج الذي تشكل فيه أرقام التطوع تزايداً سنوياً حتى بلغت أرقاماً كبيرة (ورغم الأرقام والإحصائيات الجميلة لموسم الحج إلا أنه لا يوجد رقم رسمي لأعداد المتطوعين)، بالإضافة إلى 250 ألف موظف يتطوعون للعمل في خدمة وأمن الحجاج، لا يتوقف عملهم عند وظائفهم، بل يتعداها إلى أعمال تطوعية ليست من صميم أعمالهم الوظيفية.