د. محمد بن عبدالله آل عبداللطيف
قريبًا سيتحول حلم الكثير من البشر إلى حقيقة، وسيمتد عمر الإنسان مرحليًا، فقط إلى 150 عامًا وربما يزيد عن ذلك مستقبلاً، 150 عاماً كاملة الحيوية والعنفوان. أنبثق نبع الخلود الذي طالما سعى له البشر من حيث لا يحتسب من حلموا به، فقد اكتشف مختبر أسترالي مغمور بسبيل الصدفة ما كان كثير من البشر وعلى وجه الخصوص المرفهون ولطيلة قرون عديدة يستميتون للحصول عليه، دواء قد يعيد الشباب للشيوخ. سيطوي هذا الدواء تجاعيد المشيب بنظارة الشباب. اكتشاف حقيقي سيغير حياة الإنسان، بل قد يقلبها رأسًا على عقب وستتغير حياة البشرية معه بالكامل.
الكمبيوتر، وسائل التواصل، الذكاء الصناعي، والإنترنت أثرت بشكل كبير على تطور حياة الإنسان بشكل أفقي. جعلت العالم بالنسبة للفرد قرية صغيرة، ووسعت أفق حياته ليشمل عوالم أخرى حقيقية وافتراضية بعيدة عنه، وقريبًا ستتأثر حياة الإنسان بشكل عمودي. سيدخل الإنسان عصر السوبرمان فعلاً. وسيكون لهذا التطور الأخير آثار اقتصادية وثقافية وأخلاقية جذرية ربما يكون بعضها مدمرًا لإنسانية البشر أو ربما حياتهم.
وقد انشد الشاعر الجاهلي زهير بن أبي سلمى بيتًا بقي خالدًا بدون أدوية تخلده حين قال: سئمت تكاليف الحياة ومن يعش، ثمانين حولاً لا أبا لك يسئم. جدنا زهير، بعمره الثمانين يعتقد أنه عمّر أطول مما ينبغي، فما الحال لو أدرك المائة والخمسين؟ فللزمن والعمر تأثير عميق على نفسية الإنسان قبل جسده، رجلاً كان أو امرأة، فالعمر يقرب من الموت، من النهاية، وإدراك ذلك يجعل الفرد يعيد حساباته في كل ما خطط له من البداية في شبابه، سيفقد الأبيضين والأسودين ويبدأ في التفكير في الخلاص الأبدي. الكثير قرب النهاية يكون أكثر زهداً، وأكثر حكمة، وأكثر كرمًا. فعمره أصبح خلفه، وتبينت له القيمة الحقيقية لكل ما سعى إليه وطمع به في الماضي. تغييرات كثيرة تطرأ على الإنسان مع تقدم العمر، مع أنه يعلم عنها يفاجأ بها، تفقده كثير من النعم، وتقعد فيه أقوى الغرائز. يفقد نظارته ومعها نرجسيته وإعجابه بنفسه. قد يتكدس له المال ومع ذلك يعيش فقط على سابق الخيال، ويدرك أن حياة الشباب من المحال.
البشر في عمرهم القصير تتقاتلون حول الموارد الناضبة وينافسون بشكل محموم على الثروات. حرارة الأرض ارتفعت، التصحر توسع، والتلوث خنق الإنسان والأمراض حاصرته، فما بالكم لو تضاعف عمرهم؟ تشير الدراسات الديمغرافية الحالية باختصار لزيادة متصاعدة في عدد المواليد يقابله مع تحسن الظروف الصحية امتداد لعمر الشيوخ. سن التقاعد يتراجع في كثير من الدول، فما سيكون عليه الحال لو تضاعف عمر الإنسان خصوصًا في دول ذات كثافة سكانية مثل الهند والصين؟ هل ستلجأ هذه الدول وغيرها لتقنين استخدام هذا الدواء، هل تحضره، هل تحتكره فئات اجتماعية معينة بمبررات مختلفة؟ ما مصير الإنجاب وفي أي مرحلة أي عمرية سيكون؟
يولد السأم في الحياة الزوجية مشكلات عائلية لا حصر لها بعمر الإنسان الحالي، وفي مجتمعات مثل مجتمعاتنا يمارس التعدد بسبب وبلا سبب في عمر الإنسان القصير ولنتخيل ما سيكون عليه الحال فيما لو استمر شباب الرجال بكامل حيوتهم لأكثر من مئة وخمسين عامًا؟ هل سيصابون بالممل، أو بمزيد من الشبق؟ ستفلس بالطبع شركات كثيرة مثل شركات الفياجرا، وشركات المستحضرات التجميلية والأصباغ والمساحيق فلن تعود هناك حاجة لمنتجاتها. سيعاد ترتيب الحياة بكامل تفاصيلها الدقيقة. فالإنسان بطبعة أكثر الكائنات أنانية تتناهب غرائزه حب الاستئثار والتملك والسلطة، وإطالة عمرة يعني أيضًا إعادة النشاط والدوافع لهذه الغرائز ومع طول بقائه على الأرض ستضيق دائرة الصراعات وتشتد حول النفوذ والمال وستصبح أكثر وحشية وخطورة.
طرح الباحثون كثيرًا من التساؤلات حول اختطاف العلم والتقنية لحياة الإنسان، ودخول التنافس التقني والعلمي طريق لا رجعة فيه مما جعل التقنية تتحكم فينا بعدما اعتقدنا في مرحلة ما أنها صماء وتحت سيطرتنا الأبدية. أبحاث أخلاقية علمية تعالت مطالبة بإيقاف أو على ضبط بعض المسائل العلمية والتقنية كأبحاث الاستنساخ، أو التعديل الوراثي الجيني لطبيعة البشر، أو البرمجة العميقة للعقول فهل ينظم هذا الاكتشاف لهذه القائمة؟ هل ستنتشر الفوضى في إنتاجه واستهلاكه بسبب إصرار بعض المتنفذين في الحصول عليه؟ والسؤال الكبير الأهم هل ستقضي البشرية على نفسها بنفسها بالسماح بالتقدم التقني والعلمي غير المنضبط؟