عبده الأسمري
اقترن بالإعلام وتقارن مع المهنية.. فارتدى رداء فضفاضًا توشح ببياض الذات وتطرز بنبض الآخرين.
توغل في أعماق الأخلاق ليطير في الآفاق مغرداً أمام سرب المذيعين ليهبط في مدرجات «الشفافية» باحثًا عن الحقيقة.. محاربًا للميول الشخصية.. مبغضًا للتطبيل.. مؤصلاً للاحترافية.
إنه الإعلامي والمذيع المعروف الراحل صاحب الابتسامة البيضاء والطلة العصماء سعود الدوسري أحد أبرز المذيعين في الخليج والعرب وأشهر أصحاب البصمات الجلية في سجل «الإعلام الفضائي» والحوارات المتلفزة.
بوجه وسيم تحفه الابتسامة وتتحفه البسمة وملامح نجدية موسمة بالنبل وعينان ناعستان تمتلئان فرحًا حين الإبداع ومرحًا حيث الاستماع ومحيا حافل بأناقة معاصرة مختارة بعناية ترتكز على شخصية مألوفة محبوبة رغما عن ثورة اللقاءات وإثارة الاستضافات وصوت فريد يخرج من نفس لاهثة وراء إمتاع «المتلقي» وروح ماضية نحو إشباع «الشاشة» ومفردات منوعة تخالجها ضحكة زادته «حرفة» وخروج عن النص أشبعه «احترافية» وجسد نحيل وقلب عامر بحب المهنة غامر بعشق المغامرة أمضى الدوسري عقدين ونصف وجها أصيلا للإعلام على طاولة نشرات الأخبار وفي ميادين التغطيات وأمام كراسي الحوار وفي منعطفات التميز.
في محافظة الخرج نشأ سعود الدوسري بين عائلة منوعة المواهب فركض طفلا مستمعا لأثير الإذاعة مستمتعا بوثير الارتياح في كنف أسرته التي علمته «ماهية» التربية سرا وجهرا.. فسار بين شوارع حية يوزع ضحكته وشقاوته على طريقته.. لافتاً للنظر ملفتاً للانتظار في مشروع «عبقري» صغير كان يجمع قصاصات الصحف ويستجمع مقولات التلفاز ليشكلها «أحاديث خطابة» و»موشحات بيان» عطر بها آذان والديه ومسامع عشيرته..
تعلم الدوسري من والدته العطف والحنان باكرًا ونشد طويلا بنصوص الفخر في حضرة أبيه ناهلاً من موهبة جعلته يبحث عن ضالته في شاشات التلفزة وثنايا الإذاعة.. منجذبًا إلى حنين أزلي صنعته في داخله هموم المكلومين وهمات المبدعين.
تأبط شابًا أجنداته «الخاصة» التي كان يدون فيها الأمنيات صباحًا والخواطر ليلا باحثا عن ذات ملهمة مستبحثا عن نداءات قلب غمره «السخاء» واستعمره «الوفاء» رغما عن «المرض» الذي غزاه خفية فكان يواسي نفسه بالاختباء خلف طلته التي جعلته «يوزع الإيجابية» وينثر الدافعية في سماء الإعلام وفي سمو التعامل.
سيرة إعلامية معطرة بالموهبة والهبة بدأها الدوسري في إذاعة القرآن كمتعاون ثم تعين رسمياً في إذاعة الرياض حتى انتقل إلى إذاعة mbc fm في لندن عام 1994م ثم انتقل عام 1995م لشاشة mbc وقدم برنامج صباح الخير يا عرب ونشرات إخبارية وفي عام 1996م انتقل إلى شبكة أوربت الفضائية حيث قدم مجموعة من البرامج المباشرة من ضمنها برنامج «حنين» وبرنامج «ليلكم فن» المباشر من القاهرة. بعدها عاد إلى الرياض ليقدم برنامج التوك شو من الرياض وغيره. ثم عاد عام 2008م إلى mbc. مرة أخرى حصل الدوسري على جائزة أفضل مذيع عربي عام 1995م من إحدى المجلات. وفي عام 2010 حصل على جائزة جوردون أووردز كأفضل مذيع عربي.
برع الدوسري في عدة برامج على قناة mbc منها برنامج نقطة تحول ثم برنامج تستأهل. وكان آخر برامجه «ليطمئن قلبي» على روتانا خليجية في رمضان 2015.
مسيرة منوعة سخرها الدوسري لخدمة مهمته «الأولى» وهمته «المثلى» عاش وحيدا أعزب عقد قرانه على «مهنته» فاقترن عقده الفريد بلآلئ التتويج وجواهر التكريم. مبعدا «اليتم» ناهرا «الترمل» عن أسرة مفترضة منع عنها ويلات الحزن وسوءات الموت الذي كان في حوار سري معه خلال أعوامه الأخيرة.. فكان رصيده مكتظا بحب الغير عامرا بخبايا «وقفات» ومضايا «إعانات» كانت مهمات سرية خارج أسوار الشاشات ولكنها خرجت للنور بمجرد انطفاء شمعته الأخيرة فأضاء خلفه دروبا استنارت بالدعوات والصالحات.
داعب مرضه بابتسامة ظلت «اطمئنانا» لمحبيه و»حيلة» لنفسه.. صانعا «الإيثار» كجرعة خاصة أرضت أحبابه وأتعبت قلبه. حتى توفي بباريس في 7 أغسطس 2015 إثر نوبة قلبية وووري جثمانه مقبرة أم الحمام بالرياض.
رحل تاركاً «إضاءات» روحه وهجا في قلوب معارفه وتوهجا وسط أفئدة محبيه.. مضى إلى مرقده الأخير.. وترك امضاءة «حسن الذكرى» وإضاءة «حسنى الأثر» في وسم تجاوز به مليونين تغريدة في تويتر بمجرد إعلان وفاته واصلاً بنعيه للترند العالمي.. مخلفا وراءه قصة إنسان ورونق شخصية وغيمة بشرية ستظل ماطرة في متون «الأعمال» وفنون «الإعلام» وشؤون «الإنسانية».