د. خيرية السقاف
يطل هذا المساء علينا هلال السنة الأربعين من القرن الخامس عشر الهجري كما يعدُّ البشر..
وغدًا يومها الأول على أديم أوقاتنا..
يقول الإنسان دوما بأن الزمن يركض, مع أنه للإنسان سرمدي لا يعرف بدايته, كما لن يلحق نهايته,
لا يلمس كنهه, وإنما يعد له بمقياس حسابه, وفق مقدراته العقلية, ومنطلقاته الخَلْقية, ومقدراته الربانية..
يجذبه إليه المجهول, الذي لا يبلغ, فيقترب منه من حيث يُخمِّن, ويُعمل له بطرائقه تفسيرًا, وإحصاء, بتعالمه عنه, وتوهمه بمعرفته, وهو لا يملك في أمره من العلم سلطانَه,
ولا يكاد هذا الإنسان أن يعترف بحدود مداركه وهو يعلم, وإن أحصى الزمن بسرعاته الخارقة, وتقادمه اللا محدود ضوءًا, وتراكم حقب, ومدى لا حدود له..
مهمة الإنسان هذه في الأرض دأب على أن يُشغل بها «زمنه» الفارض بقاءً, القاطع فناءً..
إذ ما يفعل الصلصال, طين هذا الإنسان المغموس في طموحه, بإصراره, بمكابرته, في مكابدته, غير البحث, والتعرف, والإيقان, والاعتراف, والاكتشاف, والانتصار, وربما الهزيمة؟!..
فبهذا الكبد الديمومي ما يجعله يحسبُ معرفتَه المطلقة بالزمن, وقدرتَه على حسابه,
وها هو يسجله في صحائفه على ضوء بوصلة ربانية يراها, ويلمسها,
بالشهر, باليوم, بالساعة, باللمحة, بالموسم, بالفصل, بالنوء, بالشمس, بالقمر, بمنازل النجم, بما في الفلك من الكواكب التي عرف, والمجرات التي أحصى, بمد البحر وجزره, بتكتل السُّحب, وهيجة البركان, ومعطيات الفيزياء في الآماد الخفيه الخارقة, بدءًا بالميلاد, وبقضاء الموت..
بينما هو من كل ذلك كثيره قليل, وعلمه ضئيل, فعقله مضغة في حيز كنقطة في بحر عقل الكون العظيم..
إذن لا غدًا هو البدء في ميزان الزمن العتيد على أرضه, ولا هو الختام في مداه البعيد عن علمه..
فالسنون التي يعرف تُكررُ مرورَها به هذا البشر,
وعقارب الساعة تدور في معصمه, وتعود تلف من الواحدة للثانية عشرة, ومن الثانية للدقيقة, مع أن اليوم في ضوء ذلك ليس اثنتي عشرة ساعة كما تشير دائرة ساعته منجزه العقلي الفاره..
وإنه البشر لا يعرف من الزمن إلا ما يستوعب من ظاهر الحياة التي يفهمها, عيشةً ومضاءً, وقدَراً, ونصيبا..
بينما المكنون الغيبي فيه يتضاءل أمامه سلطانُ معرفته المحدودة, ومقياس إدراكه النسبي
مع كل اجتهاده, وقِدمِ سعيه, وباهر بحثه, ونتائج علمه, وكثافة معطياته, ونافع منجزاته!!..
إنه زمن لا يدركه الإنسان, يتراكم, يكبر يمتد, يتداخل, ينطوي, يتسع, لا يتناهى له, كما لم يتبدَّ له..
إيه قرائي أعزتي, وجهتي, ومناخي:
عَنَت لي هذه الفضفضة الذاتية لحظة التفكير في الكتابة عن غد,
عن بدء عام هجري جديد, نفيض فيه بالأمنيات لبعضنا, ونعبر فيه عن الطموحات لكل ما حولنا, فنسجل الدعوات للجميع, بأن يكون مباركا لكل الناس, وأن تكون سنة خير من أول أيامها هذه السنة الهجرية الجديدة لكم جميعكم..
فكل لحظة مُدركة للإنسان فيكم, وللناس جميعهم وتكونون بخير..
هذا الإنسان فوق الأرض أتمنى له أن يكون بخير دائم..
إنسان الطموح, والعمار, والأحلام, والإصرار, والكبد, والصبر, والركض,
والتأمل, والحرث, والبناء بخير..
بكل نبضة في ساعته, ونور, وضياء في نهاره, وليله!..