د.عبدالله بن موسى الطاير
دخل إلى اليمن قادما من مصر عام 1947م لتأسيس شركة تجارية، وذلك بعد سبع سنوات من إخفاق جماعة الإخوان المسلمين في إقناع الملك عبدالعزيز بفتح مكتب لهم. يقول عنه أحمد محمد الشامي في مذكراته «رياح التغيير في اليمن»: استقبله الإمام يحي حميد الدين، وأكرم وفادته، واحتفى به ولي عهد اليمن أحمد بن يحي، وقدمه للنخب التي وجدت فيه إماما، كما وصفه القاضي والمؤرخ أحمد بن محمد الحجري: «إنك وأنت من نسل الإمام علي، والعالم المجتهد، والقوي الأمين، لو دعوت لنفسك لبايعك أهل اليمن كما بايعوا الإمام الهادي بن الحسين»، فمن يكون هذا التاجر الذي زار اليمن بموافقة إمامها، وفي أقل من عامين صنع ثورة الدستور التي لم تحكم سوى 25 يوما عام 1948م.
وأنا أتتبع مذكرات الشامي بترتيب صفحاتها، استوقفتني هذه الشخصية التي صنعت ما لم تستطعه المعارضة اليمنية التي خرجت من تحت جناح الإمامة وعارضتها بمشاريع الإصلاح من داخل القصر. فشلوا أو يأسوا وأثخنت الخيانات في وشائج الصلات بين تنظيماتهم ومزقت جهودهم شر ممزق في وجه حكومة الإمام. هذا الدخيل المريب جاء بوصفته السحرية.
بدأ برنامجه السياسي من المسجد بتفسير القرآن الكريم تماهيًا مع طبيعة المجتمع اليمني المحافظة وحبه العلم الشرعي مع غياب شبه تام للعلوم المعاصرة، فدلف إلى قلوبهم من المصراع الذي يجمعهم زيودا وشوافع. ثم تدرج في تلمس خيوط المعارضات التي لم تفكر في قلب النظام بقدر رغبتها في إصلاح برنامجه التنموي، وهم -أي الإصلاحيون- أبناء وأحفاد وذي قرابة للإمام وولي عهده، بعضهم في الداخل بينما لجأ رهط منهم إلى عدن لإدارة المعارضة من الخارج.
وبعد أن كسب عقول ووجدان النخب اليمنية بدأ بزرع فيروس اليأس في قلوب المنادين بالإصلاح من قدرة الإمام علي، ورغبته في الإصلاح، ثم استطرد نشاطه بتعظيم السخط من حالة اليمن، وعقد المقارنات بين تخلف شمال اليمن تحت حكم الإمام وتقدم عدن تحت حكم الاحتلال الإنجليزي، وكان حينا يستنهض همم المؤثرين سرًا ويدفع بهم للثورة، وفي أحايين أخرى يزور الإمام العجوز لاستعجال تأسيس الشركة، ويسقيه حتى يمثل من قال الله وقال رسوله صلى الله عليه سلم.
وبعد تشخيصه واقع العلاقات الاجتماعية والوشائج القبلية والمصالح التي تقوم على فكرة الإمامة، وفهمه لمكانتها بين الأغلبية الزيدية وضع وصفة الانقلاب بمكونات إمامية إذ ليس بالضرورة أن يكون الإمام الدستوري ولي عهد اليمن، وإنما قصرها على مبايعة من يقبل بدستوره.
نحيّتُ المذكرات جانبا، وراهنتُ نفسي أن هذا «الوسواس» الذي يحيك الانقلاب في نفوس اليمنيين، لا يتحرك من تلقاء نفسه وإنما هو رجس مدفوع بمخطط يمثل واجهة جهد جماعي لا اجتهاد فردي. أشكل عليّ انتماؤه الجزائري، فبلاده محتلة حينها، مما جعلني أتردد في ربطه بجماعة الإخوان المسلمين في مصر، ومع ذلك أتخلص من أزيز يستدعي الجماعة كلما راغ الفكر عنها. عندما وصلت إلى فقرة كتب فيها الراوي أن الدستور الذي قامت عليه ثورة الدستور الفاشلة عام 1948 في اليمن قد أقره حسن البنا كسرت صمت مقصورة القطار الذي يتهادى على الحدود الفرنسية الألمانية بقهقهة صاخبة، وأنا أقول لقد وقعت اليمن في فخ الجماعة. كانت اليمن وما زالت هدفا مرحليا أو فرعيا للجماعة، غير أن السعودية كانت الجائزة التي لطالما حلم الإخوان المسلمون بحكمها وما زالوا.
قادني الفضول لاستجلاء علاقة الجزائري الفضيل الورتلاني بجماعة الإخوان المسلمين إلى هذه الخاتمة «انضم إلى جماعة الإخوان لما استقر في مصر وأصبح من أقرب المقربين لحسن البنا.. إذ كان ينيبه أحيانا في درس الثلاثاء.. كما كلفه بملف اليمن». وإلى تاريخه لم تيأس الجماعة من حلمها القديم في السعودية.