عمر إبراهيم الرشيد
الكوارث من سنن الله في الكون سواء حدثت بسبب بشري أو طبيعي، ولن تخلو منها بقعة أو بلد أو مجتمع، وأثناء قراءتكم لهذه السطور هناك حرائق وهزات أو حوادث لا حصر لها في أنحاء العالم وقاكم الله شرها. باعث هذا المقال مشهد مبنى يتبع إحدى الدوائر الحكومية في المنطقة الشرقية وألسنة اللهب والدخان تكاد تغطي المبنى بسبب حرارة الطقس ومن ثم احتراق بعض أجهزة التكييف.
في ألمانيا حيث الجودة في الصناعة وأنظمة العمل والأداء بشكل عام، تم عمل دراسة لتأثير المبنى على العاملين فيه ومن يقطنه وتحديداً المستشفيات وهي المستهدفة بالبحث، اذ إن هناك مباني عتيقة يبلغ عمر بعضها عشرات السنين ومنها بعض المستشفيات هناك، وقد استقصت الدراسة أن مثل تلك المباني لها تأثير على المرضى والعاملين من أطباء وممرضين وإداريين وغيرهم. هذا التأثير يشمل تصميم المبنى ومواد بنائه والإضاءة إضافة إلى ألوان جدرانه وأرضياته بفعل التقادم، باختصار كل ما يؤثّر على الحالة النفسية والمزاجية للمرضى والعاملين. وبالطبع فلا بد أن تلك الدراسة قدمت توصياتها إلى الحكومة الألمانية لاتخاذ ما يلزم. استرجع تلك الدراسة في خاطري كلما رأيت مبنى لا يستوفي مواصفات السلامة ومدى ملاءمته صحياً وبيئياً وثقافياً، ومن ذلك المبنى الذي أشرت إليه في حادثة الحريق تلك. ما زال الحس البيئي والثقافي لدى بعض مكاتب التصميم والإشراف ومقاولي التنفيذ للمباني والمرافق العامة شبه معدوم أو فقيراً إذا أردنا التخفيف من الوصف، ولا فرق إن كانت الجهة مالكة أو مستأجرة للمبنى، فالقصد هو الثقافة المعمارية السائدة ولا أعمم بالطبع. وعلى سبيل المثال فإن مقر عملي مبنى جديد وغالب مواد إنشائه الألمنيوم والزجاج وبعض الخرسانة! إنما برغم حداثته فهو يفتقر إلى جودة التهوية الطبيعية وعدم استغلال الشرف (البلكونات) لتكون متنفساً طبيعياً للعاملين في المبنى وللمبنى نفسه. وما ذكرت وغيره يندرج ضمن الهندسة النفسية والاجتماعية والبعد الجمالي في الهوية العمرانية لدينا بشكل عام. وللتذكير فإن حريق المبنى المذكور قد أتى على صفائح الألمنيوم التي تغطي المبنى! ومرة أخرى أتساءل: أيهما أفضل بيئياً وإنشائياً وأيضاً اقتصادياً لناحية جودة العزل وتوفير الطاقة، هل هي صفائح الألمنيوم (كلادنج) أم الحجر الطبيعي بأشكاله وألوانه الطبيعية وجودته على امتداد السنين؟ وأترك لكم الإجابة.
هناك نماذج رائعة نفذتها هيئة تطوير الرياض في وسط المدينة والحي الدبلوماسي، وأخرى وظّفت فيها البيئة الطبيعية وأعادت أحياء بيئتها العمرانية كحي البجيري ووادي حنيفة وغيرها من أمثلة الهندسة العمرانية والبيئية والاجتماعية!
في العاصمة الصينية بكين وهي من أولى مدن العالم في نسب التلوث إن لم تكن أولها، لجأت سلطات المدينة هناك إلى استغلال أسطح المباني العامة وحتى الشركات، وذلك بتشجيرها لتعزيز الرئة الخضراء للمدينة وخفض نسبة التلوث. أيضاً هذا يقودنا إلى مسألة التشجير لدينا وظلم البيئة الطاغي، لذا لا يسعني الحديث عن تشجير أسطح المباني ونحن بحاجة إلى تشجير الأرض أولاً، والأمل بأن يكون قرار ترك الأشجار والعبث فيها بداية التصحيح البيئي لدينا ضمن رؤية 2030، ودربكم أخضر إن شاء الله تعالى.