نجيب الخنيزي
العولمة هي مرحلة تاريخية موضوعية في مسار تطور الرأسمالية العالمية استناداً لآليات وقوانين السوق التي تتحكم بمسارها، وهي تسعى عبر مراكزها الأساسية إلى تجنيس العالم وفقاً لمنطق ومصالح القوى المتحكمة فيها. ونشير هنا إلى الطابع المتناقض لهذه العملية (العولمة) فهي من جهة تمضي في عملية التركيب والتوحد الاقتصادي والسياسي والثقافي والأمني والبيئي على المستوى الكوني، غير أن ذلك يتم وفقاً لقانون الاستقطاب والتمايز بين المراكز المهيمنة والأطراف (بقية مناطق العالم) التابعة، وفي هذا الإطار سعت الدول الصناعية المتقدمة (التقليدية) والصاعدة (الجديدة) إلى تشكيل تكتلاتها الاقتصادية والسياسية الكبرى على غرار نافتا (الولايات المتحدة وكندا والمكسيك) والاتحاد الأوروبي ومنظمة الآسيان (شرق آسيا) التي تشمل اليابان والصين، وتجمع بريكس، ومنظمة شانغهاي للتعاون.
علاقات هذه الكتل الكبرى يحكمها ما يعرف بتنافس احتكار القلة، ومن الجهة الأخرى هناك دول الأطراف أو الجنوب التي (ماعدا استثناءات قليلة) تعيش حالة من التهميش والتبعية الشاملة في كافة المجالات، بل إن الكثير من تلك البلدان (ومن بينها بعض الدول العربية) تدهورت أوضاعها إلى مرحلة ما قبل الاستقلال وقيام الدولة الوطنية، حيث تعم الحروب والنزاعات والاضطرابات (الدينية والطائفية والإثنية) فيما بينها وفي داخلها، وتتعمق أزماتها السياسية والاقتصادية وتحتدم فيها التوترات الاجتماعية والأمنية والثقافية.
المنطقة العربية لأسباب وعوامل مختلفة تمثل حالة نموذجية ضمن هذا المشهد الكئيب لعالم الجنوب فواقع التشظي والإحباط وانعدام الثقة بالحاضر وانسداد أفق المستقبل الذي يسود المجتمعات العربية يجعلها عرضة لكافة الاحتمالات (السيناريوهات) وما يجري من صراعات وحروب داخلية وتفشي للعنف والتطرف والإرهاب في سوريا والعراق وليبيا واليمن ومصر والصومال، وغيرها من البلدان، إلا مثال لما يمكن أن تتدهور إليه الأوضاع في المنطقة.
واللافت أن المعضلات والأزمات الجدية التي تعيشها المجتمعات العربية غالباً ما يجري تحميلها للآخر الذي هو الغرب (باعتباره العدو والنموذج) تارة ضمن الإشارة إلى حروب صليبية جديدة يقودها الغرب ضد الإسلام والمسلمين وبالتالي تطرح شعارات مثل حرب الخنادق (الفسطاطين) و»الولاء والبراء» و»ساحة الحرب وساحة الإسلام» على غرار أطروحات منظمة القاعدة وتنظيم «داعش» وشركائهم تحت مسميات مختلفة، وتارة أخرى يجري الحديث بأن سبب تخلف المجتمعات العربية هو حالة التغريب والابتعاد عن الإسلام، حيث يرفع شعار « لإسلام هو الحل» بمعنى العودة إلى الينبوع الصافي للعقيدة ومحاولة استحضار التجربة والصورة الزاهية الماضية للإسلام وإسقاطها على الحاضر بصورة إرادوية.
السؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل تخلف العرب وتأخرهم هو بسبب السيطرة والهيمنة الغربية.. أم أن السيطرة الغربية ما كان لها أن تتحقق لولا تخلف وتأخر العرب المزمن..؟.
للحديث صلة،،،