د. خيرية السقاف
من اللائق بالإنسان أن يؤمن بحق الإنسان وإن كان عبارة له استلهمها من تجاربه فتكلم بها، كان عالمًا فهيمًا، أو ذا رأي حصيف،
بل إن هو أميٌّ لا يُحسنن القراءة، والكتابة لكنه قد تمرس في مدرسة الحياة..
وما مدرسة الحياة وهي أبوابها مشرعة، وفصولها قائمة؟، محتواها الزمن، وأساليبها الممارسة، ووسائلها المعرفة، والمواقف، ومعلموها النماذج، والمحكات!..
ومع أن ثلل الأميين تتضاعف في عصر العلم، والتعلم، إلا أن الناس على غير ما جرى به الاختلاف بينهم غدوا ثللا تتكاثف كأنهم «الحكماء»، أغلبهم لم يخطُ بعد في مدرسة الحياة لأبعد من أشبار بين بابها الأول، وفصلها المبتدئ!!..
هؤلاء يتنفسون جزافا ما يتوهمون أنه حِكمٌ، مذ يستيقظون مع زقزقة العصافير، وحتى يهجعون في سدول الظلام!!..
وفي الوقت كلِّه مَكَنةُ كلامهم تدرُّ!!..
وتنتفخ فيهم كالبالون أوداجهم، ترتفع صدورهم، تمتد أنظارهم، لا يرون الدائرة تحيط بهم!!..
إنهم يحلقون بعيدا، بعيدا..
يحملهم «بساط الريح» إلى مدن «الكنز»، وأقاصي «جزر الأحلام»، مخلفين وراءهم رماد أخيلتهم يذرُّ في ضوء الشمس، ونور القمر، ويطمس ما بينهم وبين منابع الحكمةِ الأصيلة، الحكمة التي لا تؤتَى دون مخزون ثري، ونبع روي، تلك المستثاة في أفواه، وأقلام، وأقوال المكتنزين..!!
إنه في وجود هذه الثلل المتفاقم عددها منهم، يجد طالب الحكمةِ المستثناةِ الدلوَ فارغا،
فالقلة المستثناة في ضوء ذلك ترفع أطرافها عن الرماد، وتتجنَّب وحله!!..