د. محمد عبدالله الخازم
عندما أُعلن دمج وزارتي التربية والتعليم والتعليم العالي كان هناك تحفظ وما زال لدى البعض، لعدم وضوح الأهداف والنتائج، بل ويطالب البعض بإعادة فصل الوزارتين. شخصياً، كنت ولازلت أرى الدمج خطوة متميزة وفق شرطين أساسيين؛ أولاً: على مستوى التعليم العالي بمنح الجامعات مزيداً من الاستقلالية وتقليص دور وزارة التعليم في قرارات الجامعات الإدارية والأكاديمية والمالية، وفي الابتعاث بتحويل برنامج الابتعاث إلى هيئة مستقلة. وثانياً: على مستوى التعليم العام بمنح المناطق التعليمية صلاحيات تنفيذية واسعة، توظيفية ومالية وإدارية. بهذه الطريقة سيكون لدينا وزارة قوية في جانب التشريعات كتلك المتعلقة بالمناهج وسياسات التعليم العامة ومراقبة الأداء العام للمناطق التعليمية وغير ذلك مما له علاقة بالتسنيق والإشراف العام، وسيكون التنفيذ بكفاءة أعلى بتقليص المركزية.
مؤخراً أقرت وزارة التعليم هيكلها التنظيمي الجديد بنائب وزير وعشر وكالات وحوالي سبعين إدارة عامة وما في حكمها. ويماثلها بالتأكيد إدارات مشابهة في كل إدارة تعليمية، وهذا الهيكل بتضخمه يدل بشكل بارز على أننا لم نتقدم خطوة واحدة في مجال استقلالية المناطق التعليمية، وأن الدمج لم يتجاوز مجرد تجميع الموظفين والإدارات في مبنى ضخم تحت إشراف وزير واحد. طبعاً أتحدث كمشاهد من الخارج ووفق ما أرجوه من عملية الدمج ولست أدري ما الخطط والتفاصيل التي يتم العمل عليها في هذا الشأن. لكن صدور هيكل تنظيمي حديث للوزارة بهذا الشكل يعني أن ليلنا في استقلالية المناطق التعليمية سيطول، فهل نلوم وزارة التعليم على ذلك وهي مجرد وزارة خدمية تنوء بالأعباء التنفيذية اليومية؟
من خلال معرفتنا بالتنظيم الإداري الحكومي لا أعتقد أن وزارة التعليم أو وزارة الصحة أو غيرها من الوزارات قادرة على القيام بمثل هذه الخطوة بمفردها. الموضوع يتعلق بجهات مهمة عدة، مثل وزارات المالية والتنمية البشرية وغيرها من الجهات. رؤية 2030 أحد أهدافها رفع كفاءة الجهاز الإداري، وأعتقد أن المركزية لا تساعد على ذلك، فهي محفزة للبيروقراطية والتضخم وعدم القدرة على بناء الجودة وتحسن الأداء، وبالذات في الوزارات الخدمية. لذلك أدعو مقام مجلس الاقتصاد والتنمية إلى مناقشة قضية المركزية والبحث في معوقات منح المناطق استقلالية تنفيذية، باعتباره المظلة العليا التي تجمع الوزارات التنموية والخدمية.
النموذج، المثال، المطبق لدينا في هذا الشأن نراه في البلديات، تصوروا لو لم تكن الأمانات مستقلة تنفيذياً ومالياً وإدارياً كيف ستكون مدننا الكبيرة؟ كنا سنظطر إلى أخذ موافقة وزارة البلديات كلما أردنا شق طريق أو صيانة حديقة او إصلاح إنارة أو اقفال بقالة! ما هو المانع أن تستقل المنطقة التعليمية بوظائفها وميزانيتها ومشاريعها، مع إحتفاظ الوزارة بتطوير المناهج والتقويم الدراسي والسياسات العامة؟ لماذا يوجد ألفين أو ثلاثة ألاف موظف، أو أكثر او أقل، بديوان الوزارة ومئات الموظفين بدواوين إدارات التعليم يؤدون وظائف مكررة ومتشابهه عبر سلسلة بيروقراطية طويلة من المعاملات والإجراءات؟
لنبدأ بعدد من المناطق التعليمية، إذا كنا لا نملك الثقة في الكفاءات بجميع المناطق، أو ليس لدينا تصورات ناضجة حول أليات تفكيك المركزية في الجوانب الإدارية والمالية والتوظيفية والفنية التنفيذية!