د. محمد عبدالله العوين
بدأ عام دراسي جديد ولله الحمد وبلادنا تعيش أمناً وارفاً وطمأنينةً وتوجهاً قوياً نحو المستقبل بخطى واثقة تستشرف أحلامها الجميلة التي ستتحقق بإذن الله في رؤية 2030م بكل ما تحمله من عزم وإصرار على أن نكون في الصف الأول بين دول العالم.
العلم هو ركيزة التقدم وطريق الوصول إلى القوة والسبيل الأمثل لاختصار المسافات الطويلة والأداة السحرية القادرة على تغيير العقول وتنظيفها من الأوهام والخرافات والكسل والعجز والإحباط والقعود.
ربما نحن الآن أحوج ما نكون إلى العلوم التطبيقية التي هي ضرورة ماسة ومن مقومات النهضة أكثر من احتياجنا إلى كثير من العلوم الإنسانية التي ربما نجد لدينا منها فيضاً كبيراً زائداً عن الحاجة، وهذا الاتجاه المحمود عملت به الدولة - وفّقها الله - فوضعت خطط البعثات لسد النقص في العلوم التطبيقية، وخففت القبول في العلوم الإنسانية، وهذا لا يعني الاستغناء أو العزوف عن التخصصات الأدبية واللغوية والاجتماعية والنفسية والتاريخية والدينية وغيرها؛ لا بل هي أيضاً ضرورة من ضرورات النهضة والتقدم وبناء المجتمع المتوازن؛ لكنني أرى أن الأعداد الكبيرة من أفواج مواسم دراسية سابقة لم تجد لها فرصاً وظيفية متاحة؛ لأن عدد الدارسين المتخرّجين أكثر من الحاجة إليهم.
وهنا يبرز سؤال جدل ملح: هل طلب العلم للوظيفة أم لتكوين عقول واعية ناضجة مدركة تضيء الحياة وتشرق به شمس الحقيقة؟
والجواب بالبديهة: إن غاية التعلّم ليس للكسب وللحصول على مصادر الرزق فحسب؛ بل هو حق وواجب وضرورة لكل إنسان؛ غير أن ثمة نقصاً في جانب وفيضاً زائداً في جانب آخر، أليس من الحكمة والمنطق السليم والعقل الراجح أن نأخذ بما نحن في حاجة ماسة إليه وندع أو نخفف الإقبال على ما ليس لنا به حاجة في مرحلة من المراحل أو حقبة من الحقب؟!
والواقع الذي نراه الآن أن عدداً ليس بالقليل من طلابنا المقبلين على الدراسة الجامعية يعيشون حالة من القلق والحيرة أشبه ما تكون بالتيه في صحراء شاسعة ممتدة لا يعلم أين اتجاهاتها، لا يعلمون أين يذهبون، أو ليس لديهم معرفة تامة بالتخصص الذي ينون دراسته ولا ماذا يتيح لهم من فرص عمل أو حتى ما يضمه التخصص نفسه من مواد ومتطلبات وتفاصيل قد تكون غير متوافقة مع رغباتهم أو استعداداتهم، ولذلك تحصل حالة الارتباك في الفصل الأول من الدراسة على الأخص وتبدأ عمليات مرهقة للطلاب ولعمادات القبول والتسجيل في متابعة رغبات التحويل من كلية إلى أخرى أو من قسم إلى آخر، ويزيد الأمر عنتاً ومشقةً ما تتخذه بعض عمادات الجامعات من قرارات غير موفقة بإلزام طلاب بتخصصات لم يرغبوها؛ من أجل ملء المقاعد الشاغرة في هذا القسم أو ذاك، وتبدأ من هذا الإجراء العقيم أولى خطوات فشل الطالب المكره على غير ما يريد؛ إما بإشغال الإدارات بتحويله إلى رغبته أو باستسلامه وقبوله بالأمر الواقع فيدرس التخصص على كره منه ويتخرّج بتقدير ضعيف لم يكن طموحه.