د. صالح بن سعد اللحيدان
في هذا المعجم أبين شيئاً جديداً إذ إن هذا الجزء يعتبر مدخلاً للجزء الخامس من معجم موازين اللغة وهذا الشيء الذي أبينه هنا هو الجمع بين شرح المفردات والعلم والتحليل الذاتي.
فأبدأ قائلاً بفك معاني الهياج والذي يخلط فيه غالب الناس الألفاظ فأقول:
1 - هاج يهيج/ ثار ثوراناً على وجه الإطلاق.
2 - هاج/ ثار على غير وجه.
3 - هاج/ قام أو قال عن غضب ثائر.
4 - وهاجت الريح/ ثارت فجأة.
5 - وهاج الجمل/ ثار وأضر بمن حوله.
6 - وهاج الموج/ تقلب بشدة بين ارتفاع وانخفاض واضطراب.
وهاج يختلف المعنى في هذه المفردة عن (ماج) وقد رأيت من يستعمل هذه مكان تلك ولا سواء.
وإنما يحدد ذلك المعنى لكن طغيان العامية حتى لدى بعض العلية من القوم فبسببها تتداخل الألفاظ المختلفة كأنها تؤدي المعنى الواحد.
والهيجان أصله غليان الدم في القلب لينصر الإنسان بما لا يعقله غالباً قولاً أو فعلاً
والهياج: صفة من صفات الغضب المغلقة للقلب أن يكون للعقل مكاناً فيعقل حال ما أو من أمامه وسبب ما أهاجه.
وقد وجدت في أسفار العلم الأخلاقي والدراسات الطبعية في علم الطباع أن من أسباب ذلك أي حصول الهياج ما يلي:
1 - سوء التفكير وعجلة التقدير.
2 - سبق القلب للعقل عند النازلة الموجبة لهذا.
3 - الانتصار للنفس وحب الغلبة.
4 - الانتصار من خلال الصوت المضيع للنقاش.
5 - غلبة الهوى والحمق المواتي للحالة.
6 - تضخيم الواقعة وتهويل الحاصل.
7 - تقليد ما رآه أو قرأه من حالات مشابهة من خلال رواية أو فيلم أو حادثة فيحصل هنا النقض اللاشعوري
لاسيما للفقير من آليات الفكر الجيد والعقل المكيث .
وأقبح ما تكون اللجاجة عند العلماء والمثقفين والذين يزاولون التربية في مجال التدريس أو فض الخصومات.
الثامن (8)- ضعف الوازع التذكيري كما في سورة يونس وهود والقصص والشعراء فتأملها يعطي صوراً كثيرة عن كمال العقل وروح التأني والانضباط العقلي الحميد لاسيما لمن له غاية سامية في هذه الحياة.
التاسع (9)- وهذا يقع فيه بعض الذين لم يعطوا أي نصيب من العقل أعني أولئك الذين قد يستغلهم غيرهم فيقعون بعزة الكثرة والهياج وعرض القوة للانتصار كأخوة الزوجة مثلاً عند إرادة التطليق بالقوة والتخويف حتى إذا تم هذا قرعوا سن نادم وحتى إذا هدأت الحال بعد دهر أدركوا كم جروا على أنفسهم بسبب الهياج ما جروا من هم وكدر وعداوات فيما بينهم.
العاشر (10)- ازدواجية الرؤية واختلاط الصور وهذا إنما يحصل للذين يهولون ما يحصل فترى الواحد منهم يحمر وجهه ويرعد ويزبد وغالب هؤلاء يكون أمرهم على الزوجة والأولاد الصغار أو القريب الضعيف خاصة الأب إذا لا يفرق هذا النوع إذا هاج بين هذا وذاك انتصاراً للنفس وحباً للذات.
قلت: وهاج يهيج وثار يثور وغضب يغضب كلها سواء وإن كان الغضب أشمل إذ تؤدي إلى سبيل واحد ذلكم هو حب الرفعة وتمثل القوة الشخصية الظاهرة وقد وجدت نوعاً ممن خالف وضعهم وجدت أنهم يميلون لحظ وافر من قوة التبصر والوعي وكذلك قوة التصبر للصبر لأن التصبر يؤدي إلى استدعاء العقل وجودة الفكر وروح التأني ودعت البال.
وقد خط هذا ورسمه في بيان جيد الآجري في (أخلاق العلماء) وكذا فعل ابن عبدالهادي في (طبقات المحدثين) وفعله من قبل ابن سعد في (الطبقات الكبرى) إذ ترجم لكثير ممن ساد عصامياً من سادة العلماء وحملة الأدب والرواية والدراية عبر العصور.
وقد أجمل ذلك بجميل صنع جيد (العيني) حينما ترجم لقرابة (2000) ممن لهم بصمة في التاريخ منذ القرن الأول حتى القرن الثالث وذلك من خلال شرح (لصحيح البخاري) وترجم في ثنايا الشرح للآثار لهؤلاء الكبار.
لكن قد يقول قائل ما السبيل إذا تغيير الذات التي قد لا ينفك صاحبها لا يقدر على التغيير؟
وللإجابة على هذا أذكر أن تغيير بعض الصفات هذا ممكن إذا تمثل الإنسان الآثار الحسنة لإيجاد صفات أخلاقية عالية.
إن محاولة تحسين ثم تغيير هذه الصفات شيئاً فشيئاً قد يقع لمن صادق نفسه وراقبها عن كثب إن الولع وشدة التعلق بالمثل العليا وسياسة النفس بمراقبة الفكر لها هذا يؤدي إلى نتيجة إيجابية.
إن دوام التنبه الإرادي ولزوم الصمت والشد على القلب ألا يطغى على العقل كل ذلك يظفي شيئاً محموداً يلمسه المرء لا شعورياً.
إن إلزام النفس وشدة التوقي ومعرفة سبل السيادة على الصفات السلبية هذا يقود إلى شخصية أخرى.
إن أضر ما على المرء في هذه الحياة أن يستغله غيره ونفسه قد تستغله ليواجه الآخرين فيسيء إليهم أو يذكر الجانب الذي يراه سيئاً ويتغافل عن الإيجابيات بل قد يؤلها ويبررها إلى السوء وهذه نقطة غامضة في حياة بعض الناس تجره دائماً إلى الهياج واللجاجة ويرى أنه المصيب والمنظر حتى إذا عفَاه الدهر أدرك أن الهياج كان ركابه الذي يركبه.
إن تغيير الذات ممكن بروح من الجد والصدق والنزاهة وعموم النظر الفطين.