أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري
قال أبو عبدالرحمن: العربي اليوم؛ والشرقي عموماً: مصممون بحرية الإرادة، وبقسرية فكرية: على أنهم مبخوسوا الحظ من تفكير صحيح يعصم من الخطإ، ويهدي إلى الحق.. وأنهم مثقلون بقيود خاطئة بغيضة من تراثهم وتاريخهم ووسط جنسهم العربي خاصةً، أو الشرقي عامة.. بيد أن (فرنسيس بيكون) حاول إصلاح المنطق في أصنافه الأربعة التي تعبث بالحقيقة؛ فنادى إلى التخلص منها؛ ليستقيم منهج التفكير، ولم يخص (بيكون) بهذه الأصنام بيئةً دون بيئة، أو جنساً دون جنس؛ بل اعتبرها عرضةً للتفكير البشري عامة؛ وأما الفتى الشرقي الذكي الموهوب المهزوم في عماإ الفكر الأجنبي الإرهابي الموجه إلى الشرق: فقد اعتبر بموجب سلوكه الفكري هذه الأصنام الأربعة دمامةً عربيةً شرقيةً خالصة؛ وقد قضى قدر الله سبحانه وتعالى إلى أجل مقدر عنده جل جلاله باستمتاع خونة الصليبية، وأفراخ الصهيونية، وأوشاب الطائفية العلمانية: بكل أوجاع البشرية في أرزاقها ومرافقها.. والصنم الأول عند (بيكون): هو صنم الطائفية؛ و(بيكون): لم يرد بهذا الصنم صنم العرق العربي، أو الجبلة العربية، أو البيئة الشرقية؛ وإنما قصد طبيعة الإنسان عامةً (عربيةً وأعجميةً)؛ فهي التي تتدخل في منهج تفكيره، ومن ثم شبهها بالمرآة المنحرفة من حيث تعكس الحقائق على غير صورتها الأصلية.
قال أبو عبدالرحمن: (بيكون) لم يأت بجديد ها هنا؛ بل غير العبارة؛ لأن ربنا سبحانه وتعالى حذرنا في أكثر من آية من اتباع الهوى، والإذعان للنفس الأمارة بالسوإ؛ ولكن الشرقي المهزوم بالإرهاب الفكري: تخلى عن المعنى العام لهذا الصنم الذي يتناول كل نفس بشرية، وقصره على الجبلة العربية المنكودة؛ فلا فلاح لفكر عربي حتى ينسلخ عن طبيعة الجبلة العربية.. واستحال عند هؤلاإ الإيمان بأن تخلي العربي عن هواه وشهواته في نطاق جبلته العربية: أضمن لهدايته من تخلي الصليبي عن هواه؛ لأنه خفي على هؤلاإ أن في جبلة العربي أشرف وأمنع معقل يختال فيه الفكر؛ لأن العربي مفطور على الشهامة، والنجدة، والإيثار، والمواساة، وصلة الرحم، ومواساة من يستحق المواساة.. ينعم بيومه، ويثق بغده، ويطمح إلى ما لا يبلغه جهده؛ لإيمانه بأن الله يتمم مسيرته؛ وليس هكذا الصليبي والصهيوني والعلماني المفطورون على الشح وسوإ الظن بالغيب، والأنانية، والميوعة.. ولولا الله ثم وسائل القوة في العصر الحديث: لاحتاج أولئك إلى دربة طويلة؛ ليسترجلوا.. إن ذكاأ العربي في معقل الزكاإ والخلق؛ وذكاأ الأوربي بلا زكاإ ولا خلق.. والصنم الثاني عند (بيكون): صنم الذاتية؛ [أي النفس الجوانية]؛ وهو أخص من صنم الطبيعة الإنسانية؛ وكل نوع من الجنس البشري ثري بأشخاص ذوي ميول عمياأ منحرفة تضلل تفكيرهم؛ بيد أن السلوك الفكري لدى كثير من الشرقييين المتفرنجين: يلتمس أي هوية غير عربية وإن كانت هوية الشيطان؛ لأن كل فتى عربي ثري بأصنام النفس الجوانية!!.. والصنم الثالث عند (بيكون): صنم الغموض (؛يعني به الأفكار الخاطئة المتسلطة المتولدة من العبارات الغامضة)؛ وجميع البشر تعتورهم عشرات الأفكار الخاطئة بسبب غموض العبارة؛ ولكن العربي بالذات؛ (وأرجو من القارىء أن يعتني بتكراري كلمة بالذات؛ وأن المراد بها النفس الجوانية): أجدر الناس قاطبة بتحديد المفهوم الذي يريده دون غمغمة؛ لأن لغته دقيقة تعتني بالتمييز بين الأشياإ تمييزاً محدداً لا تختلط فيه المقاصد؛ وذلك لخصوبة دلالاتها، ووضوح ظاهرها، وعبقرية مجازها؛ ولكن الفتى الشرقي العائم في متاهات الإرهاب الفكري الحديث: يلتمس أي لغة (وإن كانت لغة الزط)؛ ليرتاح من دمامة لغته العربية؛ وما الدمامة عنده غير وسواس قذف في صدره.. والصنم الرابع عند (بيكون): صنم التراث، ويريد به معرض الأفكار القديمة للفلاسفة السابقين.. وما أراد (بيكون) بهذاالصنم وهو في معرض التحرر من المنطق الأرسطي إلا لفت النظر إلى ضرورة التعامل تعاملاً فكرياً مع التراث دون تقليد.. ويملك هذا التعامل من استبق الكشف عن حدث كوني، أو ابتكر إنجازاً يصحح قاعدةً خاطئةً، أو يحدد الاحتمال في قاعدة مفترضة؛ ولكن الفتى العربي المترنح تحت سياط الإرهاب الفكري الصليبي: تخبط مخموراً، ونادى بأي مسلك لا تتربع على جنباته معالم جهورية من التراث.. لم يتعامل مع التراث تعامل المكتشف أو المبتكر؛ وإنما أمضى بإرادته الحرة الانعتاق من التراث وإن كان في بدايات لا تصح البداية دونها، ونهايات لا يصح الاستئناف معها.. وإلى لقاء قريب في السبت القادم إن شاء الله تعالى، والله المستعان.