ياسر صالح البهيجان
منذ صدور أول تقرير لمنظمة الأمم المتحدة عن التنمية البشريّة عام 1990م، تحوّلت بوصلة اهتمام الدول الحديثة إلى الإنسان بوصفه العامل الأكثر أهميّة في المجال التنموي، وآمنت بأن أي ازدهار سواءً أكان اقتصاديًا أو اجتماعيًا أو بيئيًا أو ثقافيًا لم يمكن له أن يتحقق إلا في ظل دور فاعل للفرد داخل مجتمعه، وهو ما أوجد سؤالاً جوهريًا في هذا الاتجاه مفاده: كيف يمكننا تنمية البشر من أجل تحقيق تنمية شاملة للمجتمع؟.
ما قاد المختصّون في التنمية إلى طرح السؤال السابق، هو ملاحظتهم أن الازدهار الاقتصادي في المجتمعات النامية لا يعني بالضرورة تقدّمها في المجالات التنمويّة الأخرى، لذا قد تنتعش ميزانيّات بعض دول العالم الثالث لكنها تظل عاجزة عن الارتقاء في السلم الحضاري؛ لأن ازدهارها كان بمعزل عن الإنسان الذي يتطلب الاهتمام به لبناء وعيه وفكره بما يجعله عنصر قوّة ومصدر قيادة نحو تنمية شاملة.
الفضل يعود إلى المفكر الأمريكي تيودور شولتز الذي أرسى قواعد نظرية «رأس المال البشري»، قبل أن تتبنى منظمة الأمم المتحدة مفهوم التنمية البشرية في برنامجها الإنمائي، وتدريجيًا أصبح الهدف الرئيس لدى معظم الدول هو العمل على جعل الاقتصاد المزهر سببًا في سعادة الإنسان والحد من معدلات فقره وتحسين جودة حالته الصحيّة وإمداده بالتعليم المناسب وتوفير فرص وظيفية تليق بإمكاناته بما يكفل له تحقيق احتياجاته الأساسية.
والغاية من الاتجاه الدولي نحو تبني مفهوم «التنمية البشرية»، هي بناء إنسان بمقدوره مواجهة التغيرات الحياتيّة من حوله بإيجابيّة، ومساعدته على التفكير بنظرة أكثر عمقًا حول الحياة ببعديها الآني والمستقبلي، وإمداده بتقنيات مهارات الاتصال الفعّال فيما بينه وبين أفراد مجتمعه، ومعاونته على اكتساب الخبرات والمعارف اللازمة ليتمكن من إيجاد فرص وظيفية لائقة، وتدريبه على طرق الاستفادة من طاقاته الكامنة واكتشاف مواهبه وتوظيفها بما يخدم مجتمعه، وتعزيز اتجاهه نحو وضع أهداف لحياته، بما يجعله فردًا متفردًا عن غيره، ويمثل قيمة مضافة على المستوى الإنساني.
وثمة مقاييس دولية يمكن من خلالها معرفة مدى تقدّم الدول في مجال التنمية البشرية، ومنها، المتوسط الافتراضي لعمر الفرد وهو يقيس جودة الأوضاع الصحية والغذائية، ومعدل القراءة والكتابة والتعليم بين البالغين لقياس مستوى المعرفة في الدولة، ومتوسط نصيب الفرد المالي من الدخل المحلي وهو مؤشر يقيس مستوى رفاهية الفرد في مجتمعه.
الاتجاه نحو التنمية البشرية ضرورة حتميّة لبناء مجتمع نابض بالحيويّة والإنتاج، وفاعل على المستوى الإقليمي والدولي، وأثبتت التجارب الدوليّة أن الإنسان قادر على تحول مجتمعه من مجتمع نامٍ إلى مجتمع متقدّم، ومن متخلّف إلى قائد للأمم شريطة أن تتوافر له الإمكانات والبيئة الملائمة.