د. خيرية السقاف
لم يكن الفقر وصمة ولن يكون مثلبة..
إنما هو «حالة» لله تعالى في قضائها قدره..
حين يُقذَر على أناس فلأن لهم مع الرضا به يسر، و مع الصبر عليه يسر، ومع اليسر بعده أجر..
لم ينزع الفقر المادي عن الواقع بهم وقارهم، ولا عمَّر بالقسوة قلوبهم، ولا شحت أيديهم عن الندى، فأكثر الفقراء رحماء بمن هم أشد فقرا منهم، أو مثلهم، وهم أكثر الناس صلة بأهلهم، وكرما مع جيرانهم، وعطاء في حياء، وسترا في خفاء، وحمدا لخالق السماء، هم أكثر قربا من الله، يسلمون أمرهم إليه، ويحمدونه على ما ينالهم من الرزق وإن شحَّ..
يؤمنون بأن {وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ}، وبأن الله تعالى إن حرمهم من المال لم يحرمهم من الإيمان، والقناعة، والصبر..
بل هم نشطاء في العمل، ذوو أخلاق، وقيم، إذ ليس كل فقير متذمر، أو يقفز خارج هذا الإطار، في المقابل فإن كثيرا من الأغنياء يفقدون العديد من مزايا الفقراء، ويجعلون غناهم جسرا لأهوائهم..
وإن الفقر ليس مقياسا للأخلاق، ولا لمسالك الأفراد، كما إن الغنىَ ليس كذلك..
غير أن النظام الكوني الذي عمَّر به تعالى الأرض، حثَّ على التواد بين الناس، وأوعز بالرحمة، وأقرَّ التكافل، والشراكة بينهم بتخصيص جزء من مال الموسرين للفقراء، ففرض الزكاة، و شرع الصدقة، وأولى أهمية للقسمة لهم من مالهم..
ولقد مايز بين يد امرئ تعطي في خفاء عن اليد الأخرى له، وعن تلك التي تجاهر بما تعطي!..
مع أن المرء وماله معا هما عطاء من الله وحده، فالأدب في عطائه جزء من يقين المرء، وخلقه.
ما يشاع الآن هو المجاهرة بالصدقات، والإعلان عنها، والدعاية لها، فإحراج الفقراء الذين تضطرهم الحاجة إليها..
وإن من حسن العطاء حسن الطريقة..
فالفقير بشر له قلب ينبض، وجوارح تشعر، ونفس تأبى، وخلق يسمو، ولديه من أرصدة كل هذه الثروة ما يتفوَّق على أرصدة المال بين أيدي الموسرين.