رمضان جريدي العنزي
في الأمثال (أدهى من ثعلب) والثعلب في لهجتنا الشمالية نسميه (حصني) وتصغيره (حصيني)، والثعلب ممثل بارع إذا طارده الصيادون تماوت، وإذا شمَّ رائحة الكلاب وثب (أنحاش) بسرعة وأبتعد. والثعالب أنواع: ثعلب بري، وثعلب قطبي، وثعلب جبلي، وكلها في الصفات والطبائع والمراوغة سواء، وليس بينها ثعلب واحد أليف، أو ودود، أو لطيف، أو يستحق الإشادة، أو بعيدًا عن الخبث والمكر والخداع. وفي بطون الكتب ثمة أشياء كثيرة عن الثعالب، حياتها، معيشتها، توالدها، لست هنا بصدد إيرادها إلا بقدر الإشارة إلى بعض الثعالب البشرية التي تشبهها، بوصفها أحيانًا أكثر من الثعالب الحيوانية مخادعة ومراوغة وشراسة وأساليب بشعة وأفعال دنيئة، لأنها تمتلك نزعتين مختلفتين ومتنافرتين، في وضح النهار نزعة، وفي بهيم الليل نزعة أخرى، ولها وجوه متعددة نافرة بالنفاق والتدليس والزيف والرياء، ومواقفها متحركة وغير ثابتة، وأقوالها مثل مد البحر وجزره، أن الثعالب الآدمية فخورة بمكرها، وفخورة بخداعها، وفخورة بروغانها، وفخورة بكل أنواع الرياء والتشفي ورداءة الطباع التي تملكها ولا تحاول الانفكاك منها ومن قيودها وأغلالها الصلدة. هذه الثعالب الآدمية عندما يداهمها الخطر وتكتشف من قبل الآخرين تحاول الدفاع عن نفسها بما تملكه من سبل دفاعية حتى ولو على حساب نفسها ومبدئها ومحيطها وعرفها، لا لشيء إلا لمجرد التخلص من الموقف ومن الظرف الذي يحيط بها بأسرع ما يمكن من وقت في ظرف زماني ومكاني محدد. هذه الثعالب الآدمية لا تملك الرشد في المواقف، وليس لها مغزى أو هدف أو حكمة في حياتها، ولا تعرف التأمل في خارطة الخيارات الإنسانية وليس لها عدالة أو قانون في التسامي والخلاص والكياسة في الأخلاق والمعاملة. هذه الثعالب الآدمية، لها طقوسها وتضاريسها ومناخاتها وعاداتها وتقاليدها في المكر والخداع والتدليس بدرجة واضحة وبينة، لا تخفى عن الضرير والأصم رغم محاولتها ردم الهوة ورتق الشق ومحاولة الإبقاء على ورقة التوت، إلا أن الفجوة كبيرة، والشق واسع، والعورة بائنة. إن هذه الثعالب الآدمية قد وصلت في غيها إلى درجة محاولة تستطيح الناس والخروج عليهم وتسفيه أحلامهم وإلغاء واقعهم رغم ما تملكه هذه الثعالب الآدمية من انحرافات وتشوهات في الفهم وفي الأخلاق وفي التعامل، وتفنن في الكذب والتسويف وتسويق البهت والأوهام بدرجة عالية تفوق درجات (الفهرنهايت) في رابعة النهار. إن هذه الثالب الآدمية، التي تعيش تراكمات ثقافية ومعرفية وواقعًا مزريًا ومريرًا ولديها إحباط وضياع في الواقع وضياع في الأحلام، يجب ألا يثيروا فينا أي شفقة أو رحمة، وأن لا نستسلم لإراداتهم أو تأخذنا أفكارهم أو تطلعاتهم أو حركاتهم أو أقنعتهم المزيفة وتناقضاتهم البائنة نحو ما يريدون ويبتغون ويأملون. إنهم مجرد فقاعات صابون، ما تلبث أن تتلاشى وتختفي، لأنهم لا يملكون أي عبقرية أو أدنى خلق أو فضيلة. إنهم مجرد ثعالب حتى وإن بدوا بهيئات مختلفة وصحو ومنام مختلف. إن هذه الثعالب الآدمية تعيش حولنا في كل مكان، وتحوم بشكل لافت، وتتحين أي هزة عائلية أو فردية أو اجتماعية لتقوم بدورها الماكر لينهالوا بألسنتهم القبيحة ومراوغتهم الدنيئة على الأشياء الناصعة، تمزيقًا وخمشًا وخدشًا، دون أدنى تردد أو تيقن أو معرفة أو استعمال حكمة وتفعيل عقل، ولهذه الثعالب الآدمية في هذا الشأن قصص وحكايا عبثية وشائنة ومقيتة، تفسد وتخرب، وتدمر كل إنجاز، وتهدم كل علاقة. نجد هذه النوعية من الثعالب البشرية في كل مكان في البيت، في الشارع، في العمل، وفي الاستراحات والمناسبات، هدفهم الإفساد والإحباط، ونشر الغل والكراهية، كل عباراتهم وأفعالهم مفعمة بالهدم والتيئيس والتدليس والكذب والإحباط. إن الثعلب الحيواني يفسد الحقول ويخرب المزارع ويقتل الدواجن والطيور، هزيلة القوام، آذانها كبيرة، وذيولها طويلة، وتعيش في حفر صغيرة، تتغذى على الديدان والحشرات والطيور، وتأكل العنب والحصرم دون أن تضرس، في مجتمعنا الكثير من يفوق أعمال وصفات الثعلب الحيواني بمراحل كثيرة وخطوات بعيدة، في الهدم والتخريب، والولوغ بأعراض الناس دون أي رادع خلقي، ولا ضمير حي. لهذا دعونا نطارد هذه الثعالب الآدمية بكل أشكالها وأنواعها وهيئاتها وأحجامها وألوانها، ونمقتها أسريًا واجتماعيًا ووظيفيًا وبيئيًا وفكريًا حتى يصبح المجتمع صافيًا نقيًا، يعيش بهناء وسرور ومحبة وسلام، دون ثعالب أو (حصينيات) مخادعة ماكرة.