ضياء نصر
لم يدُر بخلدي خلال السنوات الماضية من عملي كمعلم أن تكون هناك تقنية فريدة من نوعها تهيئ للمعلم محاكاةً للفصل الدراسي، إلى أن أتى ذلك الوقت الذي تم فيه استعراض تقنية TLE TeachLivE لمرشحي برنامج تطوير المعلمين النوعي المهني «خبرات» في جامعة سنترال فلوريدا. لعله لم يتوقع أحد من المتدربين الواقفين في الطابور استعداداً لتجربة المحاكاة أن يكون بها هذا القدر من التفاعل، بل إنه عندما سُئل إدغار وهو أحد الطلاب الافتراضيين عما إذا أمكن أن ندعوه «إد» أجاب بأن هذا ليس اسمه!
قد يقول الكثير إن هذا ضربٌ من الخيال، وأن الأمر ما هو إلا «تمثيلية»، وما تفاعلات جهاز المحاكاة هذا إلا من أفراد يقبعون وراء الكواليس. بيد أن هذا التفاعل ما هو إلا نتيجة لدراسات تهدف إلى تطوير التعليم. دراساتٌ بدأت في جامعة سنترال فلوريدا ممثلةً بكلية التربية والعلوم الإنسانية وتعاوناً مع كلية هندسة وعلوم الحاسبات منذ عام 2005 على يد (ليزا ديكر وميشيل هينز) الباحثتين من جامعة سنترال فلوريدا، وذلك تعزيزاً لأداء المعلمين من خلال المحاكاة كما هو الحال مع الأطباء والطيارين، حيث تكللت دراستهما بالنجاح ورأت برمجياتهما النور عام 2015.
تُعتبر TLE TeachLivE إحدى الطرق الواعدة التي تستخدمها ما يزيد على 80 جامعة في أنحاء الولايات المتحدة الأمريكية لتحضير معلمي المستقبل ولمساعدة المعلمين الحاليين، كما تستخدمها أيضاً بعض المدارس التي تُعدلها حسب حاجتها وحاجة طلابها ومعلميها ومجتمعها. ولا تقتصر هذه البرمجية على الجوانب التعليمية فحسب، حيث تبنّتها بعض الجهات العالمية والقطاعات المختصة في تطوير المهارات التواصلية لدى حالات التوحّد، وأخرى لدعم موظفي الفنادق لتقديم خدمة أفضل، وتلك التي تسعى إلى تطوير مهارات المقابلة الشخصية.
وبالوقوف على هذه التقنية، تبيّن أنها تُمكّن المعلم من التفاعل مع فصلٍ افتراضي بطلاب افتراضيين يُجيبون عن أسئلته كلٌ وفق مستواه المعرفي وقدراته، فتجد طالباً نجيباً يُجيب عن أغلب الأسئلة ويُساعد زملاءه في الوصول إلى الإجابة، بل حتى في ترجمة السؤال لهم، وآخر مستجداً يحتاج إلى مزيدٍ من الوقت حتى يصل إلى إجابة، وقد لا يجدها أحياناً، لتأتي ردة فعل المعلم الذي ينبغي عليه تهدئته وتبسيط الأمور له. يحدث كل هذا بينما هناك طالبان يعملان على مشروعهما الخاص الذي يسألهما عنه المعلم نهاية الحصة الدراسية الافتراضية.
تفيد هذه التقنية المعلمَ من عدة نواحي، فهي للمعلم الجديد الذي يريد أن يعتاد على الطلاب وعلى طريقة تفكيرهم، وللمعلم الذي يريد تجربة استراتيجية تعليمية ما; ليقيس ردود أفعال طلابه، وهي أيضاً للمعلم الذي ابتعد عن الميدان لفترة، وذلك تجديداً لخبرته التعليمية.
إن الاستفادة من هذه البرمجيات من شأنها أن تُعطي المعلم نظرةً أشمل عن طلابه واحتياجاتهم، وأن تترك له مساحةً لتجربة الممارسات دون أدنى خوف من تأثير هذه التجارب على الطلاب الحقيقيين. يمكن للجامعات في المملكة العربية السعودية أن توفّر هذه التقنيات لخرّيجيها من المعلمين، وذلك لملاحظة ممارساتهم التعليمية ملاحظةً أشمل.
كما يمكن لمركز التطوير المهني بوزارة التعليم أن يهيئها للمعلمين، وذلك تحقيقاً لتطلعات رؤية 2030 المتمثّلة في تعزيز الجانب التقني في المدارس، ولعلها تفتح أُفقاً للباحثين في المملكة لبرمجيات تعليمية مفيدة.