د. حمزة السالم
في بداية 1860، كان سُبع الامريكان عبيدا. أما على المستوى الاقليمي، فقد كان هناك عبد واحد لكل جنوبيين اثنين، وعبد وزوجة وطفل، لكل جنوبي ذكر قادر على العمل.
فقد كان هناك أربعة ملايين عبد، وحسب بحث علمي محكم، بعنوان «اقتصاديات العبيد الزنوج الأمريكان» من معهد ماشاتشويست للتكنولوجيا، فقد بين أن متوسط سعر العبد عام1860 كانت يتراوح تبعا للولاية بين 1500 -1100 دولار. فبهذا تكون القيمة السوقية للعبيد بلغت بين ستة - وأربعة مليارات عام1860، أي مباشرة قبل الحرب. فبهذا يبلغ مجموع قيمتهم السوقية بنقود اليوم بين180 - 130مليار دولار.
ونظرا لكثرة الأرقام وتفاوتها، وغرابة بعضها -رغم صدورها من مراجع علمية راقية في أمريكا-، لذا يجب أن نجري اختباراتنا الخاصة للأرقام.
فمثلاً لو حاولنا أن نحسب قيمتهم الاقتصادية أي مقدار ساعات عملهم وإنتاجيتهم، فسنجد من المراجع أن متوسط كلفة تأجير العبد للعمل عند الغير بلغت من20 دولارا شهرياً في أقصى الجنوب إلى 15 دولارا شهرياً في أعلى الجنوب، أي أكثر من 200 دولار سنويا. (وهذا معقول نظراً لراتب الجندي الأسود في الحرب الأهلية).
أي أن العبد يأتي أو ينتج ما قيمته تساوي أكثر من ثمانية آلاف دولار فترة حياته، هذا غير تكاثره.
ولا يكلف العبد شيئا، فالعبد يغذي نفسه بنفسه، ويتكاثر بنفسه!!.
والأربعة ملايين عبد، فيهم أطفال وحوامل، فلعل العامل منهم نصفهم. لكن يجب أن يحسب هذا الانتاج التكاثري في حصة العبيد من الناتج المحلي. فلو سحبنا قيمة التكاثر على قيمة الإنتاج فساويناهما ببعض، لنتائج تقريبية، فبهذا يكون ناتج العبيد في الاقتصاد سنويا800 مليون أي نحو خُمس الناتج المحلي آنذاك.
وكذلك هي حصتهم في الثروة الوطنية. فقد بلغت قيمة ثروة الجنوب عام1860م، نحو 27 مليار دولار منها 13 مليار حصة قيمة ثروة العبيد. وأما في الشمال فقد قدرت ثروته 41.5 مليار دولار. وهذا يعني ان العبيد كانوا يشكلون نصف ثروة الجنوب وخمس ثروة البلاد كلها.
(وهذه المعلومات إما أنها تعطي قيمة مضاعفة للعبد، أو أنها مضاعفة للثروة بعامل ما، خطأ أو افتراضاً. والشاهد في الاتيان بها، هو اظهار تحفظ الارقام السابقة)
فلو افترضنا أن تحرير العبيد تم بلا حرب أهلية، فهل يُعتبر تحرير العبيد، تفريطاً بخُمس دخل البلاد وخُمس ثروتها؟
الجواب: لا. فاعتماد الجنوب على العبيد، أورثهم الكسل في العمل والخمول في الابداع. فقد كان في الشمال 120 ألف مصنع مقابل20 ألف مصنع في الجنوب، مع فارق النوعية والانتاجية لصالح المصنع الشمالي.
ولذا استطاع الشمال تطوير الأسلحة بشكل مذهل خلال سنوات الحرب، كالبندقية متعددة الطلقات بلا حشو وإعادة تعبئة التي صُفت للجندي الشمالي، مقابل البندقية العادية التي لا بد من حشوها في كل طلقة عند الجنوبي.
ولولا إرادة الله بمقتل لينكون بعد الحرب مباشرة، وانتكاس إصلاح وضع العتقاء بعده، ثم نتيجة نزاع انتخابات عام 1877، التي أخرت حركة المساواة مائة عام في أمريكا، لولاهما، لكان وضع أمريكا -والله اعلم - متقدم بمراحل فلكية عن اليوم. (وهذا استطراد لا محل هنا لتفصيله).
لكن الشاهد أنه بعد الحرب، اضطر الجنوبيون للعمل والإبداع، فساهموا في تطوير بلادهم، بشكل تضاعفي. فقد كان الجنوب مصدراً للمواد الأولية، وكان الشمال مستوردا لها، فقد كان الشمال هو من يقوم بصناعتها وتحويلها لسلع، كصناعة الثياب مثلاً من قطن الجنوب.