د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي
** روى معالي الوزير السفير جميل الحجيلان في مذكراته -التي لم تُنشر بعد ونتمنى ألا يطول أمدُ ظهورها- أن الملك فيصل لم يعتد التواصل الهاتفيَّ مع وزرائه، غير أنه اخترق عادته هذه حين هاتفه مساء التاسع من يونيو «حَزيران»، وهو اليوم الذي قدَّم فيه الرئيس جمال عبدالناصر استقالته بعد نكبة 1967م، طالبًا ألا تعرض وسائط الإعلام السعودية الحدثَ بصيغة النقد أو التشفي بالرغم مما بثه الإعلام الناصري ضدَّ الملك والمملكة, ويروي أستاذنا أبو عماد مبادرته للتنفيذ مشيرًا إلى يُسر ضبط الأمور مع الإذاعة والتلفزيون الناشئين وقتها؛ فهما تحت إدارته المباشرة، ولكن المشكلة مع الصحف المتنوعة في أمكنتها كما في مواقفها وتوجهات رياسات تحريرها، إضافةً إلى أن الوقت متأخر ومعظم الصحف على وشك دوران مطابعها، ويضيف أنه واجه صعوبةً في إقناع مسؤليها إذ كانوا ينتظرون المناسبة لردِّ دَين الإساءات الممتد سنوات غير أنهم التزموا.
** قرأ صاحبكم هذه الحكاية خلال مراجعته مسوَّدات الكتاب» الضخم معنىً ومبنىً»؛ ممتنًا لثقة الشيخ الحجيلان الكريمة به ضمن آخرين، ومعتذرًا عن عدم استئذانه لنشرها، ومستعيدًا حجم الدهشة التي داخلته وهو يعبر تلك السطور المؤثرة التي لم يجد لها تفسيرًا سوى الفروسية الاستثنائية وقت المقدرة حين غابت سطوة المنتقم وانتصر عفوُ المقتدر.
** مرَّ عامٌ وربما أكثر على معرفته بالحكاية خلال تصفحه هذا الجزء من المذكرات الخاصَّ بحرب الأيام الستة، أو بصورة أدق: «حرب الساعات الست»، وتمنى أن تؤخذ هذه الحالة الإعلامية درسًا للتأمل؛ فلا مسؤولية ولا مساءلة ستقف أمام تحليل خبرٍ مهمٍ كتنحي زعيمٍ كبير وسط مُناخٍ مُواتٍ لتصفية حساباتٍ مع إعلامٍ متفوقٍ سخَّر وسائطه المنتشرة في كل بيتٍ عربي وحتى سعودي فخاض بالباطل أكثر من الحق وافتأت على الصدق بما يفرز الكذب، وقد حانت ساعة «الثأر»، لكنها المواقف تبرز الكبار وتَحملهم فوق الصغائر والصغار.
** أُغلقت الستارة بانتصار إعلام القيم، وتبدل الزمن بعد الزمن، وتجاوز الأمر الإِعلام إلى الأَعلام؛ فساد التدابر والتباغض والمَينُ والحيف؛ ونزل المثقفون -منذ صراعات الحداثة والصحوة- من آفاق الترقي إلى أنفاق التردي، وباتت قواميسنا مملوءةً بما يُفضي إلى الإلغاء ويزيد في هُوة الجفاء.
** لدينا كُتَّاب يودون ملءَ مساحاتهم بإفراز أهوائهم عبر الإعلام التقليدي والرقمي، فيعزفون على أنغامٍ متجمدةٍ تعتمر آذانًا لا تسمع ونظاراتٍ لا ترى وقلوبًا لا تُحب وأفهامًا تضخم العثرات وتتجاهل الحسنات وتنقلنا إلى مُدرجات الكُرةِ والكرْه التي لا ترى في فريقها خللاً وتضخم أخطاء سواه.
** لم يعد بمقدورنا أن نفرَّ من المتابعة المؤذية ولو سعينا, غير أن بمقدورنا إضفاءَ لغة التسامح والصفاء وتعزيز منطق الهدوء والموضوعية على أطفالنا الذين ما يزالون يَحْبُون فهؤلاء هم سندُ الوطن القابلون للتوجيه المتقبلون للتغيير والتطوير.
** الخُلقُ إرث.