د.علي القرني
في رأيي المتواضع أنه فعلا غيّر العالم، وبحد أدنى قام بإعادة ترتيب العالم، ووضع العالم في مواجهة الولايات المتحدة، ولا نقصد كل دول العالم بل كثير من دول العالم بما فيها الكتل الاقتصادية الكبرى كأوروبا وكندا والصين وغيرها من دول العالم. ومنذ بدايات حملته الانتخابية، فقد عكف ترامب على سياسة الاختلاف عن كل شيء، بما فيها حتى قواعد الحكم الجمهوري لحزبه، واختلف مع معظم الشخصيات السياسية في أمريكا.
ولم يكتف باختلافه مع الشخصيات السياسية، بل مع القضايا والأجندات الحزبية سواء لحزبه الجمهوري أو للحزب الديموقراطي. وهناك قضايا أو موضوعات حزبية يتبناها الحزب رغم اختلاف الرؤساء، لأنها أجندة الحزب سواء فيما يتعلق بالقضايا الضريبية أو التأمين الصحي أو البطالة أو غيرها من الموضوعات، فكل حزب له رؤيته التقليدية نحو هذه القضايا أو غيرها. ولكن دونالد ترامب اختلف كثيرا عن سياسات الحزب، وحتى عن السياسات الأمريكية التقليدية.
وفي مجال السياسة الخارجية، اختلف ترامب عن سابقيه من الرؤساء الأمريكيين، ناهيك عن السياسات الخارجية للحزب الجمهوري. واذا تمعنا في تطور شخصية ترامب خلال حملته الانتخابية فلم تكن هناك سياسة خارجية له، بل إنه صنعها على مبدأ وقاعدة الاختلاف، أو سياسة القفز على الفرص لاستمثار طرف أو توظيف طرف ضد طرف آخر. كما أن سياسته التي يمكن تتبعها هي ضرب الوضع القائم بكل ما أوتي من قوة، واستبداله بوضع جديد وحالة جديدة.
ويمكن كذلك ملاحظة أن سياسة ترامب الخارجية هي سياسة الإدارة من خلال الأزمات management by crisis وهو أسلوب يلجأ إليه البعض للهروب من أزمات قائمة باستحداث أزمات جديدة، أو ما يمكن تسميته هنا بسياسة «إشعال الحرائق». وهو مبتكر الكثير من الأزمات التي نشأت في العالم، ويجيد تماما استثمار تلك الأزمات لصالح الولايات المتحدة تحت مزاعم أن الولايات المتحدة يجب أن تكون دولة عظمى، ليدغدغ مشاعر الأمريكيين بهكذا شعارات.
وهناك سياسة أخرى يتبعها الرئيس ترامب وهي سياسة الفلاشات، أو الإدارة عبر الإعلام management by media ، بمعنى أن هدفه ليس حل مشكلة أو صناعة موقف، بل هدفه هو استقطاب أضواء الإعلام، واحيانا يكون الإعلام وسيلة لإدارة أزمة من الأزمات سواء الداخلية أو الخارجية. ولهذا فهو في الظاهر يكره الإعلام ويضعه في مصاف أعدائها، ولكنه في واقع الأمر يوظفه توظيفا إستراتيجيا في خدمة أهدافه ومصالحه.
وإذا عدنا إلى سؤالنا الأساسي: هل غير ترامب العالم؟
فالإجابة نعم، فقد استطاع هذا الشخص أن يغير العالم كثيرا. فالعالم قبل ترامب ليس كالعالم بعد ترامب، كما أن التغيير الذي حدث في العالم لم يكن بإرادة هذا العالم، بل بحكم قوة الدفع التي يدفع بها ترامب إلى العالم، وفرض وقائع وأفكار جديدة، وبناء مفاهيم مستحدثة لم تكن موجودة في السياسة الأمريكية سواء الداخلية أو الخارجية.
وإذا اخترنا عنوانا لهذه المرحلة في إطار تاريخ الجمهورية الأمريكية فهو مبدأ الانعزال أو العزلة التي اختارها الرئيس ترامب في فترته الحالية، وهذا يذكرنا بمبدأ مونرو الرئيس الأمريكي الأسبق عندما أعلن عن هكذا عزلة عن أوروبا عام 1823م ولكنه كان يقصد العزلة عن أوروبا والانفتاح أمام الأمريكتين، أما ترامب فقد تبنى سياسة الانغلاق الكامل حتى أمام جارتيه كندا والمكسيك، مثلها مثل باقي دول العالم. ونحن في منطقة الشرق الأوسط نراقب السياسة الأمريكية في عهد ترامب عن قرب، ونسعى إلى توظيفها بالقدر الممكن في خدمة مصالحنا الإستراتيجية.