عبدالعزيز السماري
أكتب عن الخدمات الصحية من خلال خبرة ميدانية طويلة نسبياً، وعبر تفاعل مستمر مع مختلف المراحل التي واكبت تعاقب المسؤولين في وزارة الصحة، والهدف الأساسي من هذه المشاركات هو خدمة الصالح العام، ومن باب المساهمة وكشف بعض المواضع التي قد لا تكون واضحة في زوايا رؤية المسؤول..
كانت فكرة إصلاح نظام الرعاية الصحية جزءاً أساسياً من مختلف جداول التنمية لسنوات، وكان ذلك محل اتفاق من الجميع، على أن نظام العناية الصحية الحالي مصاب بالترهل وإرتفاع الفاتورة، ويحتاج إلى معالجة عاجلة، وتستمد مكونات عبء تكاليف الرعاية الصحية المتراكمة من أنظمة إدارية قديمة لا تسمح بحفظ السجلات بطريقة فعالة وعملية في كثير المستشفيات،ولا تفيد في متابعة إنتاجية العاملين، مما يضر بكل من رعاية المرضى الفردية والأنظمة الشاملة لإدارة الصحة.
يعتبر الملف الطبي الموحد من الخطوات المهمة التي طال انتظار تطبيقاتها، فمن حيث المبدأ تم اعتمادها، لكنها لازالت تنتظر التطبيق، ولا سيما أن هذه الخطوة تكاد تكون من أساسيات تطور اقتصاديات الصحة في بلادنا، ولو تمت برغم من التأجيل المستمر ستوفر كثيراً من المعاناة، وستحقق أهدافها الاقتصادية، وسترفع مستوى الكفاءة الطبية في المملكة.
كان آخر إعلام لموعد إطلاق الملف الصحي عبر المتحدث الرسمي في وزارة الصحة في مارس 2018، وأوضح المتحدث أن التشغيل التجريبي للملف الصحي الموحد للمواطنين والمقيمين سيبدأ بعد 14 شهرا،، وذلك بعد التسجيل الذي سيتم تلقائيا من خلال رقم السجل المدني أو الإقامة، أي بعد تسعة أشهر من تاريخ اليوم، وإنا له لمنتظرون.
من خلال هذه الرؤية يحتاج النظام الصيدلي إلى توحيد مرجعيته أيضاً، وبالتالي إخراج تأهيل الأدوية من المستشفيات إلى مركزية عليا تابعة إلى وزارة الصحة، وذلك لما فيه من اختلاف كبير في الأدوية المتاحة بين المستشفيات، بسبب اختلاف مرجعيات تأهيل الأدوية من مستشفى إلى آخر، بالإضافة إلى زيادة أحمال العبء الإداري على الأطباء بعيداً عن عياداتهم..
كذلك توجد معضلة تعدد واختلاف محركات البحث المعلوماتي الإلكترونية في المستشفيات والضرورية للتعليم الطبي والبحث العلمي، ولازال إلى اليوم كل مستشفى يبرم اتفاقاً مع محركات البحث العلمي من جانب واحد، وبتكاليف مادية عالية، ومن الأوفر أن تكون اتفاقيات المكتبة الإلكترونية الطبية من خلال جهة واحدة من أجل الصالح العام.
لازالت وزارة الصحة أيضاً تنتظر بث روح التطور في هيكلها الإداري ومستشفياتها، فالتضخم الإداري يكاد يخنق الإنتاجية في المستشفيات، ويحتاج ذلك إلى إعادة نظر، فتعدد المستويات الإدارية وتضخم طواقمها الإدارية يجعل من الطاقم الطبي بمثابة الأقلية التي ليست من أولويات الجهاز الإداري، ونحتاج قبل فوات الأوان أن نستفيد من تجارب الدول المتقدمة في هذا المجال..
فالمستشفى يحتاج إلى تنظيم إلكتروني فعّال لمراقبة الإنتاجية، ولا يحتاج إلى مستويات متعددة من الإدارات الطبية وغير الطبية لما فيه من تعقيدات ومصاريف غير مجدية، ويكون في الوزارة هيئة إدارية موحدة، ومرتبطة بمستويات الإنتاجية في مختلف المستشفيات، وبالتالي يتفرغ الأطباء إلى خدمة المرضى وتدريب الأطباء والبحث العلمي في مستشفياتهم..
خلاصة الأمر أيها السادة إن النظام الموحد لمختلف المنافع المذكوره أعلاه يخلق وفرات في التكاليف من خلال تبسيط الأنظمة الإدارية وتعزيز نتائج أفضل واستخدام أقل للموارد الإجمالية، بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تكون هذه التطورات أداة بحث قيّمة، وتوفر باستمرار بيانات متراكمة حول إنتاجية الأطباء وجودة العمل وفعالية وسلامة الإجراءات والفحوصات والأدوية الجديدة..