د. فوزية البكر
مع بداية العام الدراسي وتحديدًا قبله بأيام تجد العائلات تمخر عباب المحلات الغذائية بحثًا عن المنتجات التي يمكن أن ترافق أبناءهم كفسحة مدرسية سواء كان ذلك عصائر أو حليب أو معجنات أو حلويات أو شوكلاتة.. إلخ، كما تنتشر مثل هذه المنتجات في الكثير من المقاصف المدرسية وخاصة في بعض المدارس الأهلية الواقعة في بعض المناطق المتوسطة أو المحدودة الدخل وهذا ينطبق على المدن الرئيسية كما هو الحال في المناطق النائية وهو ما يعني نمطًا وممارسة غذائية ينمو عليها الطلاب والطالبات باعتبارها مقبولة وصحيحة لقبولها وتشجيعها من الأهل رغم أنها تمثل أخطارًا مخيفة على المستويين الشخصي والوطني.
في دراسة قدمها د. القحطاني في ندوة علوم الرياضة ومعلم التربية البدنية في جامعة الملك سعود وجد الباحث من خلال دراسته للدكتوراة التي كانت عينتها من طلاب المدارس المتوسطة والثانوية للبنين والبنات من مدينة الرياض والمحافظات التابعة لمنطقة الرياض أن نسبة السمنة وزيادة الوزن عند الأطفال في المملكة تتزايد بشكل متسارع حيث كانت في عام 1988م لا تتجاوز 11 %, ووصلت إلى أكثر من 50 % بحلول عام 2010م وظلت في تسارع مستمر إلى الدرجة أن السمنة ستكون أحد المهددات الرئيسية لصحة 75 % من سكان المملكة بحلول 2020م.
وأشار الباحث إلى أن المرض منتشر في الأطفال بسن المراهقة في المناطق الريفية والحضرية بنسبة 50.6 %، موضحاً أن المناطق الحضرية تشكل ما نسبته 59.4 %، بينما تشكل المناطق الريفية ما نسبته 36.9 %.
في ذات السياق أوضحت إحصاءات صادرة في العام 2017 أن المملكة تحتل المرتبة الثالثة عالميًّا في إصابة النساء بالسمنة بنسبة 37 % مقارنة بالرجال بنسبة 29 % وهو ما أكده تقرير صادر عن منظمة الصحة العالمية نشر في يناير من هذا العام مؤكدًا تربع المملكة على المرتبة الثالثة شرفيا وتتوج القائمة دولة الكويت الشقيقة.
الثمن الاجتماعي والاقتصادي أيضًا كبير فالمملكة تنفق أكثر من 19 مليار ريال سنويًّا لمكافحة السمنة والأمراض المرتبطة بها والمستفيد الأكبر من الظاهرة هم أطباء الجراحات التجميلية التي ضاقت عياداتهم وجيوبهم من الناس والمال لكن على المستوى الشخصي فالناس أقل سعادة والأطفال يعانون أمراضًا وابتزازًا كبيرًا بسبب ما يترتب على عاداتهم الغذائية المنتشرة والمشجعة اجتماعيًّا ولذا وجب أن نقف جميعًا بحزم أمام ظواهر ندفع ثمنها جميعًا فبدل أن توجه الأموال مثلاً لبناء مستشفيات جديدة في المناطق الريفية أو توفير علاجات لمرض السرطان أو الفشل الكلوي أو حتى لبرامج التوعية التي تحد من انتشار مثل هذه الظواهر نضطر كمجتمع أن نعالج السمنة وملحقاتها من مصادرنا المباشرة وهنا وجب على المؤسسة التربوية والأهل أن يقفوا بحزم ببرامج واضحة في المدارس تضمن تدريس مفاهيم أساسية للطلاب في شتى المراحل حول بيولوجية الجسم وطبيعة تغذيته وأمراضه وسبل الوقاية (ضمن مناهج العلوم أو التربية الوطنية.. إلخ ) كما يجب أن تفرض المدارس حصصًا رياضية إجبارية يوميًّا للبنين والبنات وتمنع كافة المنتجات المهدرجة أو المصنعة مع السكاكر المعلنة أو المخبأة تحت مسميات أخرى مثل العصائر والحليب ذي النكهة من الدخول إلى المدارس.
الجامعات عليها أن تشن حملة توعية وضغطًا لوجستيًّا على كافة العلامات التجارية المشهورة الموجودة داخل الحرم الجامعي وخارجه والتي يلتهم قهواتها المنكهة المليئة بالزبدة والشوكلاته وفطائرها المحلاة معظم الطلاب كما عليها أن ترفع من نسبة أهمية الالتحاق ببرامج رياضية خلال سنوات الدراسة بوضع اهتمام أكبر من مسؤولي الجامعة للرياضيين والرياضة وجعلها ضمن مسابقات وطنية بفرق قوية كما في الجامعات العالمية المشهورة التي أصبحت فرقها أحيانًا هي رمز للجامعة بدل أن يغرق طلابنا في سمنتهم ومشاكلهم الصحية والاجتماعية في استراحة خاملة أمام ألعاب كمبيوتر أو واتس أب لا ينتهي.
مسؤولية الأهل كبيرة لكن لا نستطيع أن نتأكد من وصول الرسالة لهم جميعا لأن الكثيرين محدودون بواقعهم التعليمي أو الاقتصادي البسيط ومن ثم فهم لا يحملون وعيًا خاصًا حول هذه الأمور الخطيرة وهنا أيضًا يأتي صوت المؤسسة التربوية التي تعلم أولادهم للوصول إليهم بطرق متعددة كما على المجالس البلدية وأندية الأحياء والجمعيات الخيرية والنسائية تحديدًا أدوارًا كبيرة يمكن أن تلعبها للحد من ظاهرة السمنة التي تبتلع أبناءنا تدريجيًّا.
لا نملك قبول الصمت أو التذمر الخافت أمام وحش السمنة الذي يلتهم اقتصادنا وأبناءنا ومستقبلنا وعلينا أن نقول لهذا الوحش النهم: توقف: لدينا وعي كاف لمقاومتك.