فهد بن جليد
من «النكات المصرية» الشهيرة التي أحب أن أُردِّدها - كتبتُ عنها هنا قبل عدة سنوات - وأعيدها اليوم للفائدة، هي نكتة حوار «الطرشان», عندما قال الأول: «الأوتوبيس» ده بيروح مصر الجديدة؟.
فأجابه الثاني: أنت على الحديدة؟ ليه بتطلب إحسان؟.
الأول: عاوز «بذرة كتان»؟ دي بتلاقيها عند العطار.
الثاني: جزار؟ آه.. «أتاريك» جوعان وعاوز تشتري لحمه.
الأول: معاك حق.. «الدنيا بقت زحمة».
الحوار استمر بينهما بهذه الطريقة دون أن ينصت أي منهما للآخر, أو يفهم ما يقول على الأقل, حتى فات «الأوتوبيس» وخلت المحطة من الركاب, وجاء «حارس المحطة «.. ليسألهما بتعلموا إيه هنا؟ فأجابا الاثنان معاً: احنا مستين «الأوتوبيس», فقال لهما «نهاركم مش فايت, جواسيس» ! قدامي على القسم, فقد صادف أنَّه هو الآخر «أطرش» مثلهما!.
هذه «الطُرفة» تُصوِّر لك حال من يتحاورون دون أن ينصتوا لبعضهم البعض, فقد ينطبق هذا المشهد على بعض الحوارات والنقاشات التي تحدث على شبكات التواصل الاجتماعي, وفي بعض البرامج التليفزيونية الحوارية, أو حتى في المجالس بين الأصدقاء والأهل, عندما نتعنَّتُ « لآرائنا « وأفكارنا بشكل مُزعج, دون سماع حجج وأفكار من يُحاورنا أو فهمها للاقتناع بوجهة نظرهم, مؤسف جداً أن «تتحاور الألفاظ» و»تتعطل العقول».
«قضايا الوطن» وحدها يجب فيها الانحياز الكامل، ولا تقبل المساومة أو مجرَّد التفكير تحت أي بند, أمَّا ما سواها من تفاصيل الحياة اليومية والأفكار المتنوعة, فما أجمل التحلي بآدابها وأخلاقها في حواراتنا ونقاشاتنا, كالهدوء والإنصات ومُقارعة الحجَّة بالحجَّة, للاقتناع أو الإقناع حول مُختلف المواضيع, على طريقة الشافعي عندما قال «ما أوردت الحق والحجَّة على أحد فقبلها مني إلا هبته واعتقدت مودته, ولا كابرني أحد على الحق ودفع الحجَّة الصحيحة إلا سقط من عيني», تلك أسرع الطرق وآمنها - برأيي- للخروج «مُنتصراً» من أي نقاش أو حوار تخوضه.
وعلى دروب الخير نلتقي.