د. خيرية السقاف
من يتمعن في الناس من خلال منتجهم التعبيري في الآونة الأخيرة، يجدهم يأتون بما لم تفعله أوائل العامة قبل الخاصة مثلهم1!..
هؤلاء الآن على وتيرة واحدة، يهرف كل واحد بما يعرف، وبما لا يعرف، زادُهم دافع الرغبة في الكلام، ووسيلتهم إليه مشاعة على مدار اللحظة لا كابحا، ولا ضابطا، ولا توقيتا، ولا حدودا..
وفي الخضم بينهم، هناك بعضٌ ممن يعوَّل عليه من خاصة العارفين، ونخبة المثقفين لكن هؤلاء إما «متفرجون» إن نطقوا فبثقة العارف الذي لا يجهل!!، تشم في قولهم الغرور، وتشهد في تلميحاتهم راية فوق الرؤوس، إن أبدوا رأيا فبلسان الجازم به، وإن نقدوا فبسَـوْطِ الجالد بثقته، يلتفون بخاصتهم، ويأنفون سواهم!!..
وهناك من يجعل من الأحداث على مدار الساعة حنطة حديثه، فلا هو سياسي ملمٌ، ولا هو اقتصادي مختص، ولا هو ذو معرفة معمقة، ولا هو مؤرخ لا تغيب عنه واقعة، ولا هو حكيم مرسته الحياة، ونضج فيه الوعي، وعجنته التجارب، ولا صادق مع نفسه كي يضعها في مكانها، ولا يسمح لها بالسطو على ما ليس له فيه باع..
كذلك فلا ما يجبر الرغبة في الهرف عند هؤلاء على أن تقف عند حد، إذ تداخلت الأصوات، وجرت المحابر، وأُشرعت الوسائل للجميع ليتفوَّهوا بالغث، قبل السمين1!..
كذلك فرغت وسائل النشر من المحتوى القيمي الراقي المنتخب، والمفيد المتمكن، ليس على مستوى منصات التواصل التي أخرجت الحشرات من أوكارها، كما جذبت الصقور من قممها، بل أيضا على مستوى وسائل الإعلام، ومنصات النشر الجديدة..
إن من حق كل الناس أن تفعل فتقول، وأن تفعل فتنتشر، وأن تفعل فتشارك، وأن تفعل فتعبِّر
لكن في حدود معارفها، ومقادير خبراتها، في مستوى من الطرح لا يهوى بالذائقة، ولا يضر بالقيمة..
هذا الحابل الذي امتزج بالنابل يصيب الذائقة بشيء غير قليل من المرارة على المستوى العام!!..