عروبة المنيف
إن مصطلح «الوالدية الإيجابية «من المصطلحات الرائجة في العالم الغربي، حيث يطبق «برنامج الوالدية الإيجابية» في أكثر من خمس وعشرين دولة، وترجم إلى إحدى وعشرون لغة، وفاز بجوائز عديدة، وصنفته الأمم المتحدة بالبرنامج الوالدي الأفضل في العالم، ويطلق عليه اختصاراً «triple p». فهو برنامج يرتكز على تزويد الوالدين بالأدوات والمهارات التربوية اللازمة لبناء أسر قوية، ويعتبر من أكثر البرامج فعالية في العالم، فهو يهدف إلى تزويد الوالدين بإستراتيجيات بسيطة وعملية لمساعدتهم في بناء علاقات أسرية صحية، ليكونوا باستطاعتهم إدارة سلوك أطفالهم ما يساهم في التقليل من الأمراض العقلية والعاطفية والسلوكية عند الأطفال والمراهقين التي تنشأ في الغالب من الجهل بالأساليب التربوية الصحيحة.
جال هذا البرنامج بخاطري وأنا أطلع على خبر منح الموظفين والموظفات من الآباء والأمهات ساعات عمل مرنة ومختصرة خلال الأسبوع الدراسي الأول وذلك من خلال السماح لهم بالحضور المتأخر والانصراف المبكر لمرافقة أبنائهم المستجدين في الحضانات وفي الصف الأول الابتدائي. لقد صدر المنح من قبل «وزارتي التعليم والخدمة المدنية» ولا علم لدي أيهما بادر أولاً، فهذا لا يهم ما دامت العدوى نافعة،، فهي بادرة تربوية إيجابية سيتمكن الآباء والأمهات من خلالها في إيصال أطفالهم للحضانات والمدارس ومراقبتهم، ما سيسهل على الأطفال قبول واستيعاب الأجواء الجديدة والغريبة عن منازلهم وعائلاتهم، ويشعر الأطفال وذويهم بالاستقرار الأسري والاجتماعي، وهذا بدوره سوف يساهم في الاستقرار والرضا الوظيفي بنفس الوتيرة.
إن المبادرة إيجابية في كونها ستساهم في تعزيز دور الأسرة كنواة مجتمعية، وفي تسليط الضوء على أهمية «برامج الوالدية الإيجابية»، ودورها الوقائي والفعال في إنشاء جيل سليم من الناحية النفسية والسلوكية، وتأثير ذلك في الحد من المشاكل الأسرية كالعنف الأسري وارتفاع حالات الطلاق والتوتر داخل الأسرة، وحبذا لو شملت تلك المبادرة جميع الوزارات، وأخذت شكل «الحملة الإعلامية « قبل بدء الدراسة لتدعيم مفهوم «الوالدية الإيجابية» في المجتمع، فالغالبية من الآباء والأمهات يدعون المعرفة في تربية الأبناء، وبعضهم يؤمن بأن التربية بالفطرة ولا تحتاج لمبادرات أو أي برامج، وإن تلك البرامج «تغريبية»، لا تتناسب مع بيئتنا ومجتمعنا. ولكن الحقيقة عكس ذلك، فقد أثبت العلم أن لتلك البرامج والأساليب التربوية الإيجابية دورا عظيما في تنشئة الطفل التنشئة الصحية السليمة التي تساهم في بناء أسرة صحية ومجتمع صحي، وأثبتت نتائج تطبيق تلك البرامج مناسبتها لجميع الثقافات ولكل الهياكل الأسرية بدون استثناء.
إن لتبني البرامج التنموية الوقائية من قِبل المؤسسات الحكومية دورا لا يستهان به في دعم الصحة الأسرية والمجتمعية، وتبني «برنامج الوالدية الإيجابية» على سبيل المثال ودعمه من قِبل «مجلس الأسرة» كجهة رسمية حكومية وتخصيص ميزانيات كافية لتطبيقه سيساهم في انتشاره في المؤسسات الحكومية الأخرى التي تعنى بالصحة الأسرية «كوزارة الصحة ووزارة العمل والشؤون الاجتماعية»، ما يحقق النتائج المرجوة من البرنامج بكفاءة وفعالية. ونؤكد ونكرر دوماً «الوقاية خير من العلاج».