د. عيد بن مسعود الجهني
عالمنا العربي حباه الله جلّت قدرته بموقع جغرافي متميز يمتد من بحر العرب شرقًا إلى المحيط الأطلسي غربًا، وأغلى وأهم سلعة عرفتها البشرية النفط في عالم اليوم والغد مخزونها الأكبر في ديار العرب.
وفي مساحة أرض العرب توجد أهم المضايق والقنوات المائية ومنها مضيق هرمز، باب المندب بين جزيرة العرب وإفريقيا، مضيق كاليه بين فرنسا وإنجلترا، مضيق موزامبيق بين مدغشقر وجنوب إفريقيا، البوسفور، والدرنديل، جبل طارق، مضيق سوندا عند مدخل بحر البلطيق، مضيق ماجلان في جنوب أمريكا الوسطى والمضايق التركية.
الجدير بالذكر أن هذه المضايق عرفتها المادة 16/4 من اتفاقيات جنيف عام 1958 قائلة إن المضيق (ذلك الذي يخدم الملاحة الدولية ويصل جزءًا من البحر العالي بجزء آخر أو البحر الساحلي لدولة أجنبية)، والقانون الدولي وقانون البحار يجعلا المرور في المضايق حرًا لمراكب جميع الدول وسفنها وليس للدولة صاحبة الإقليم أن تمنع المرور منه دون داع.
كما أن الاتفاقية الدولية لقانون البحار لعام 1982م نصت صراحة على أن جميع السفن العابرة للمضايق الدولية مدنية كانت أو عسكرية من حقها المرور العابر دون تمييز أو عراقيل رغم أن تلك الاتفاقية أعطت الدول المطلة على المضيق حقوقًا محدودة لتنظيم المرور العابر من خلال المضيق.
وبالطبع فإن السفن الناقلة للبترول تأتي في المقدمة، وهذا ما أكدته في حديثي مع جريدة الاقتصادية بتاريخ 18 يناير 2012م ومما قلته (إن إيران ليس من حقها طبقا للقانون الدولي وقانون البحار إغلاق مضيق هرمز، ومن حق دول العالم المرور من خلال المضيق الذي تشرف عليه سلطنة عمان وإيران وأيضًا دولة الإمارات بحكم جزرها الثلاث التي استولت عليها إيران).
أما القنوات البحرية التي لها بعدٌ هامٌّ هي الأخرى في مسيرة الملاحة البحرية المحلية والدولية من أهمها أربع قنوات هي قناة السويس، قناة بنما، قناة كيبل، قناة تورنتا، ولكل قناة نظامها الذي يحكمها ويحكم المرور بها.
وقد برزت أهمية قناة السويس الإستراتيجية عندما أغلقت إبان العدوان الإسرائيلي على مصر عام 1967م واضطرت ناقلات النفط والتجارة أن تمر عبر الرجاء الصالح الذي تسبب في رفع أسعار النفط وغيرها بسبب طول مسافة النقل في تلك الفترة من التاريخ.
مضيق هرمز الذي يفصل بين مياه الخليج العربي من ناحية ومياه خليج عمان وبحر العرب والمحيط الهندي من جهة أخرى هو جزء من هذه المنطقة وهو بالغ الأهمية يضم عددًا من الجزر الإماراتية الثلاث (طنب الكبرى، طنب الصغرى، وأبو موسى) وجزر (قشم، لاراك، هرمز) الإيرانية ويبلغ عرض المضيق 50 كم (34 عند أضيق نقطة) ويبلغ عرض ممري الدخول والخروج منه للسفن ميلين بحريين أي (10.5كم) أما عمقه فيبلغ (60م فقط).
ومن أهم الحوادث التي وقعت في المضيق ولم تعطل المرور فيه تصادم الغواصة الأمريكية (هارتفورد) والسفينة الحربية الأمريكية (نيوأورليانز) في 20 مارس 2009، عندما كانتا تقومان بعمليات مناورة، وهذا يؤكد مدى خطورة الملاحة في هذا المضيق.
منطقة الخليج العربي كانت بالأمس ميدانًا للصراع الدولي بسبب الإستراتيجية الهامة لحركة التجارة الدولية، أما اليوم وتحديدًا منذ اكتشاف النفط في هذه المنطقة فقد أصبح الاهتمام بها بسبب النفط أولا ثم بسبب الإستراتيجية ثانيا، هذا لأن منطقة الخليج العربي يبلغ احتياطيها المؤكد من النفط أكثر من (800) مليار برميل، ودول مجلس التعاون الخليجي الست لوحدها يبلغ احتياطيها النفطي المؤكد أكثر من (500) مليار برميل.
وقد دأب قادة إيران منذ ثورتهم عام 1979م ضد نظام الشاه في ظل مباركة دولية وفي مقدمة المباركين للأسف في تلك الفترة من التاريخ ماما أمريكا، دأبوا على التهديد تلو التهديد لإغلاق المضيق إذا ما تعرضوا لتهديد ما، وآخر التهديدات الذي لن يكون الأخير من قيادة دولة يقودها دكتاتوريين شموليين رعاة للإرهاب في بلاد الشام ولبنان والعراق واليمن، ما صدر مؤخرًا بأن طهران ستغلق هذا الشريان الإستراتيجي الهام دوليًا إذا لم تتمكن طهران من تصدير نفطها بسبب قرار الرئيس الأمريكي الانسحاب من الملف النووي الإيراني وفرض عقوبات تطال تصدير النفط الإيراني اقترب موعد تنفيذها.
إيران التي تواجه أزمات ومشاكل وانقسامات داخلية عميقة ومظاهرات مستمرة يطالب المتظاهرون بحقوقهم نظامها السياسي الدكتاتوري الشمولي الذي يؤمه خامينئي لا يعترف بتوزيع السلطات بل جمعها في يد خامينئي نفسه لا بيد رئيس النظام الإيراني، وقد استمر في نشر إدعاءاته الكاذبة بتصديه لعدو خارجي هو إسرائيل وأمريكا بل إنه تعهد كاذبًا بأنه سيمسح إسرائيل من الخارطة الدولية وتوعد بالويل والثبور وعظائم الأمور لكل من يمس أمن بلاده واستقرارها بسبب ملفها النووي، وفي كل مناسبة أو غير مناسبة وفي كل مناوراتهم العسكرية في مياه الخليج العربي يرسل قادة طهران تهديدات بإغلاق مضيق هرمز في وجه الملاحة البحرية الدولية إذا ما شنت حربًا على بلاد الفرس من إسرائيل وأمريكا أو طوقت عنقها العقوبات الاقتصادية.
السؤال المطروح هل تستطيع إيران إغلاق المضيق؟ في ظل تهديدات ترامب الموجهة لقادة إيران التي نقضها بتصريحه مؤخرًا عندما قال إنه مستعد للقاء قادة إيران بدون شروط مسبقة، بعد أن نصح روحاني السيد ترامب قائلا: don›t play with the lion teal (عدم اللعب بذيل الأسد).
الإجابة أن من يقرأ التاريخ العسكري الإستراتيجي يدرك أن إيران ليس بمقدورها إغلاق المضيق فهذا يعرضها وأمنها لخطر محدق بل إنه يعتبر انتحارًا عسكريًا وسياسيًا واقتصاديًا لها، لأن العالم لن ولم يذعن لإرادة ذلك البلد الذي يحصل على حوالي نصف إيرادات ميزانيته من صادرات النفط التي تمر عبر المضيق.
إيران إذا أقدمت على عمل انتحاري بإغلاق هذا الشريان الإستراتيجي فإن القوات الأمريكية بأساطيلها وغواصاتها المتناثرة في الخليج العربي والبحار المحيطة ومعها حلفاؤها من دول الخليج والمجتمع الدولي سيكون لهم القول الفصل في المعركة لتحرير المضيق أمام السفن التي من حقها المرور البريء في المضايق والقنوات البحرية.
هذا يبرز بجلاء أن الخليج العربي بنفطه وإستراتيجيته، الذي يحتضن مضيق هرمز، والبحر الأحمر الذي يحتضن باب المندب، يؤكد أن بلاد العرب بقنواتها (قناة السويس) ومضيق هرمز وباب المندب هي قلب العالم الإستراتيجي، وهي رئة العالم في النفط والغاز، وستبقى هذه الأهمية ما دام بقيت هذه البحيرة النفطية الكبرى.
والله ولي التوفيق،،،
** **
- رئيس مركز الخليج العربي لدراسات واستشارات الطاقة