عبدالوهاب الفايز
والآن بدأت الدراسة، والطلاب الذين قبلتهم الجامعات استقر بهم الحال وسط فرح الوالدين والأهل بهذا المشوار الجديد..
ولكن ماذا عن الأب والام اللذين يريان ابنهما أو بنتهما يستقر به الحال في البيت بعيدا عن الجامعة. هؤلاء على المستوى الإنساني حالهما تستحق التعاطف، وعلى المستوى الوطني نقول: نحن في خطر!.
فالوضع يستحق مراجعة خططنا الوطنية لأجل (توسيع فرص الدراسة غير الجامعية)، ولعل قدراتنا الفكرية، وتجربة السنين تأخذنا لمسارات جديدة للتعليم.. لتخفف عن الجامعات المثقلة بالأعباء الأكاديمية والبحثية، هذا إذا أردناها جامعات حقيقية، وليس مجرد ثانويات مطورة!
الجامعات السعودية أصبحت خارج السياق العالمي المتعارف عليه لقبول طلاب المرحلة الثانوية، فالمعدلات العالمية لتوجه طلاب الثانوي في الجامعات تصل الى 35 بالمئة في أكبر تقدير، بينما لدينا (تتجاوز90 بالمئة)، وهذا خلل خطير وكبير ومرهق للتعليم العالي، وهو الذي ساهم في السنوات الماضية في إضعاف المخرجات وراكم أعداد البطالة، والمدركون لخطورة هذا الوضع رفعوا اصواتهم منذ ربع قرن منادين بضرورة تصحيح مسار التعليم العام في المملكة، وطالبوا بوضع السياسات والآليات التي توزع تدفق الإقبال على التعليم الجامعي، بالذات بعد بروز مؤشرات نمو نسبة الشباب في التركيبة السكانية، ولكن هذا الموضوع وبحكم تداخل وتنازع الصلاحيات بين الاجهزة الحكومية لم يحظ بالعناية السيادية التي تضعه في الإطار الصحيح، وهو الآن أحد التحديات الأساسية الكبرى التي علينا مواجهتها.
من الحلول الأساسية التي ينادي بها خبراء التنمية والتربية للحد من الإقبال على التعليم العالي الحل الذي يقود إلى توسيع قاعدة التعليم الفني والمهني بعد المرحلة الابتدائية، وهذا ما اتبعته دول (النمور الخمس)، وأيضا اتخذته بعض الدول الأوربية، وهذا المسار تم العمل عليه في المملكة كمشروع شراكة بين القطاعين العام والخاص.
فقبل سنوات مضت اتجهنا الى هذا المسار عبر ما عُرف بالتأهيل المشترك، وفِي غاياته ومنطلقاته وإطاره النظري كان حلا جيدا مناسبا لنا، ولكن لم يمض بالمسار الذي خطط له، والآن نسأل: ما المانع أن نجرب هذا الحل بخطوات جديدة؟
من الحلول التي تساعد على تنويع قاعدة التعليم الاتجاه الى التفاهم مع الشركات الكبرى لكي تتبنى إنشاء معاهد ومراكز التدريب المتخصصة لتكون ضمن أعمالها الأساسية. هناك أمثله قائمة ناجحة في مخرجاتها كالموجود في شركة الكهرباء، والاتصالات وأرامكو وسابك، وايضا في مجموعة الزامل.. وغيرها مما لا يحضرني الآن، وكان لمعاهد ومراكز التدريب في هذه الشركات أثره الايجابي لإمداد الشركات بالموارد البشرية الضرورية لاستقرار أعمالها وأيضا كان له اثره الوطني الايجابي على توسيع التعليم الفني.
المطلوب هو تعزيز هذا التوجه عبر إنشاء برنامج وطني يتجه الى الشركات المساهمة والمجموعات التجارية لكي نوسع تجربتنا الوطنية السابقة، وأيضا إلزام الهيئات الوطنية التشريعية والرقابية الجديدة لإنشاء مراكز التدريب ومعاهد التأهيل المتخصصة التابعة لها.
المعاهد الفنية المتخصصة لن تكون مكلفة اذا دخلت تحت إطار الشركات والمصانع، لأن التكلفة الأساسية الضرورية المادية والبشرية موجودة، كما أن الثورة الرقمية المعاصرة وسعت مصادر المعرفة، وهذا يساهم في تقليل تكلفة التعليم اذا كانت البيئة التعليمية مبدعة ومحترفة وتعرف كيف تطوع المنتجات الرقمية السمعية والبصرية لخدمة البيئة التعليمية.
وَمِمَّا يدعم ضرورة هذا البرنامج الوطني هو الاعتبارات الموضوعية الفنية، فالشركات والهيئات التي تُنشئ معاهد تعليمية تحمل اسمها وهويتها سوف تحرص على (جودة المخرجات) لأنها، أولا، هي المستفيد الأكبر من تميز وكفاءة التاهيل، وثانيا، لأن ضعف المخرجات سوف يرتبط باسمها، وأعتقد أن القيادات لهذه الكيانات تعرف خطورة السمعة السلبية عليها وعلى منتجاتها وعلاماتها التجارية.
السؤال: من يحمل لواء هذا الموضوع الوطني؟