«صدق من قال إن الاغتيال هو الرقابة إذا تطرفت»؛ فمنذ جيل مضى وأنا وكتّاب مثلي كنا نحض وزراء الإعلام العرب على إنهاء الرقابة على مطبوعات لا يقرؤها إلا النخبة، فيحذفون منها صفحات؛ فيأتي بنتيجة عكسية لما يقصدونه من حظرها على الاطلاع. وهذا في وقت لم يكن فيه الشبكة العالمية للاتصال، ولا الهواتف النقالة، ولا وسائط التواصل الاجتماعي الموجودة حاليًا.. ولكن لم تثمر جهودنا في إيضاح أن هذه المطبوعات هي للنخبة، ولا يقرؤها إلا أناس قد كوَّنوا آراءهم في الشأن العام، ولا يمكن أن يتأثروا بنقد سلبي لأي من المظاهر الاجتماعية أو السياسية.
وحين يكون هناك حظر على مطبوعة لا تكون الرقابة هنا بحذف أي جزء من مقال غير مرغوب فيه، بل نجد أنهم نزعوا الصفحة التي فيها الخبر وما قد تحتويه من مقالات أخرى. ولا أدري هل هذه طريقة بعض وزراء الإعلام العرب للاحتفاظ بهذه المقالات الممنوعة عندهم؟! ولكني أعرف أنني اطلعت على ما هو محظور عادة بالالتجاء إلى الشبكة العنكبوتية، وقراءة النص الأصلي. فالواقع أنهم دلوني وغيري على ما نستطيع أن نطلع عليه بدون أن يفلحوا في منعنا من قراءته. وقس على هذا الكثير من القراء.
فالذي يجدر بوزراء الإعلام العرب ألا يتدخلوا في هذه المطبوعات إلا بما ينافي تعاليم ديننا الحنيف، أو ما يخدش حياء القراء، أو يسيء إلى دولنا، وخصوصًا أننا في عصر يقدر الحقوق الفكرية والأدبية، وينطبق على هذا مطبوعات لا يقرؤها إلا الدارسون والمطلعون والمثقفون.
ويمكن لمطبوعات تختارها وزارات الإعلام العربية أن تنشر الموضوعات نفسها التي يختارونها بآرائهم ومواقف الوزارات في الموضوع بدلاً من حظر آراء الآخرين. وأرى أن هذا الأسلوب هو أنجح الأساليب للدعاية لقضايانا في جميع الأمور.
نحن نرى أن السبب الرئيس لوجود ما يُعرف بالسوق السوداء لمنتج ما هو حظر هذا المنتج؛ فلذلك نجد أن حظر بعض الآراء التي توصَف بغير المناسبة هو الذي يدفع القراء إلى إيجاد موضع لها للاطلاع عليه؛ فهذا الذي يخلق ما يُقال عنه إنه «خذلان الذات».
** **
- بندر بن عبدالله بن عبدالرحمن آل سعود